حصيلة ثقيلة ما في ذلك شك و كان السودان الذي يعاني عددا من الازمات التي لا أول لها و لا اخر في حاج لازمة اضافية تفاقم المعاناة …لليوم الثالث على التوالي و قبل ايام على عيد الفطرتستمرالاشتباكات على أرض السودان الذي يقع فريسة صراعات العسكر …
من لعنة الانقلابات الى لعنة الاخوان واخرها لعنة البشير يبدو أن السودان سيظل محكوما بعدم الاستقرار الى أجل غير مسمى فما حدث بالامس من اشتباكات بين قوات الجيش السوداني وبين قوات الدعم السريع ينذر بتوسع المعارك والعودة بالسودان الى المربع الذي يخشاه السوادنيون وهو حرب شاملة لا تبق و لا تذر لا سمح الله , وتفكك و تجزأ ما بقي من السودان الشمالي وربما تنتهي باعلان انفصال دارفور وهذا هو الدرس الاول بعد احداث الامس أنه ما كان للسودان تفادي ما حدث في ظل وجود اكثر من جيش او بالاحرى اكثر من قوة عسكرية لكل ميليشياتها و لكل مصالحها ولكل ارتباطاتها وولاءاتها في الداخل و الخارج وهذا ببساطة اختزال للمشهد السوداني الذي يسير على صفيح ساخن و هو في الحقيقة يكاد يتكرر في ليبيا مع انتشارالسلاح وتعدد الجماعات المسلحة المتنفذة و تعدد القيادات العسكرية وهي أخطر ما يمكن أن تواجهه الدول الهشة في تحقيق امنها واستقرارها و سيادتها ..
لا خلاف ان الحل في تغيير العقليات و التاسيس لجيش جمهوري مدني ولاؤه للوطن وهذا ليس بكثير على الشعوب ..بعد نحو ثلاثة عقود من هيمنة البشير الذي حكم البلاد بقبضة من حديد و بعد ثلاث سنوات على سقوطه و سجنه لا يبدو أن المسار الانتقالي المدني للسودان قريب من تحقيق أهدافه بعد سيطرة البرهان على المجلس و تفرده بتقرير مصير السودان …
حالة الغموض المهيمن على المشهد و الانباء المتضاربة و التصريحات المضادة من جانب رئيس المجلس السيادي للسودان بزعامة عبد الفتاح البرهان و قائد العسكري للقوات السودانية و بين محمد دحمان دقلو قائد ما يعرف بقوات الدعم السريع بشأن ادعاءات كل طرف بالسيطرة على المؤسسات الحساسة من القصر الرئاسي الى مواقع الجيش تؤشر الى أن السودان يتجه الى مرحلة اخرى محفوفة بالصراعات برغم كل الدعوات في الداخل و الخارج لتفادي ارسوأ مع بلوغ الخلافات بين القائدين العسكريين البرهان و حميدتي نقطة الاعودة و اعتقاد كل طرف أن الساحة لا تتسع كليهما و انه ان الاوان لانسحاب احدهما…
و قد لا نبالغ اذا اعتبرنا أن المشكلة الاساسية هي صراع نفوذ و صراع على السلطة وهوس بالهيمنة على ما تكتنزه السودان من ثروات طبيعية لم يكتب للشعب السوداني الذي يعاني من ازمات متعددة حكمت على الشعب السوداني ان يكون رهينة لاهواء و اطماع العسكر …الواضح أن السودان بدأ الانزلاق الى المربع الاول و هو مربع المواجهات المسلحة بكل ما تعنيه من ماسي و معاناة يكون ضحاياه المدنيون و النساء و الاطفال الذين يتم تجنيدهم في سن مبكرة لاقتحام عالم السلاح و التمرد والقتل …
السودان والعسكر مسيرة تكاد لا تنفصل فقد ظل الجيش قوة مهيمنة في المشهد السوداني منذ استقلاله عام 1956 إذ خاض حروباً و صراعات داخلية، وقام بانقلابات متكررة و ظل اسم سوار الذهب وحده الاستثناء الذي يتردد كأول زعيم و قائد عربي يلتزم بتسليم السلطة في غضون عام و يعتزل العمل السياسي الى حين وفاته ,,و للجيش السوداني مثل العديد من الجيوش العربية التي تحمل راية الدفاع عن الرموز السياسية و العسكرية بدل الاوطان و الشعوب له اقتصادية ضخمة وهم يتحكم في مصدر ثروات البلاد و لا يريد ان يفقد هذاالامتياز…
كما كان متوقعا منذ ظهور الاختلافات الى السطح بين عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي في السودان و نائبه محمد حمدان دقلو أو بالاحرى شمال السودان و منذ انقسام هذا البلد في 2011 بين سودان مسلم شمالا و سودان مسيحي جنوبا يواجه نذر حرب وشيكة في حال اتسعت رقعة الاشتباكات وبين البرهان و حميدتي …و الرجلان حليفان منذ الاطاحة بنظام البشير في 2019 حتى أن دقلو غالبا ما كان يوصف بظل البرهان قبل أن تتباين المصالح وتظهر الخلافات على السطح و تتسع طموحات كل طرف من اجل السلطة و النفوذ و لكن أيضا من أجل ما يعرف في السودان بمناجم الذهب التي يتكالب عليها الجميع …من أين جاء حميدتي و من أين جاءت “قوات الدعم السريع” التي تسعى للهيمنة على المشهد في السودان …المثير فعلا أن هذه القوات جزء من ارث نظام البشير وهي ولدت في جزء منها من رحم الجيش السوداني و انبثقت في جزء من قوات الجنجويد التي اعتمدها البشير للقضاء على الحركات المتمردة في دارفور و جنوب كردفان والنيل الازرق .. وولاء هذه القوات لزعيمها دقلو المعروف باسم “حميدتي” الذي هرب من مقاعد الدراسة وتحول إلى تاجر صغير، قبل ان يصبح قائدا عسكريا, ظهر خاصة في المشهد في 2007 عندما عرف كيف يستثمر في استياء غضب قواته بسبب فشل الحكومة في دفع رواتبهم و هو ما جعله يبدو كقائد متمرد يحسب له حسابه ..بعد تخلي السلطة عنهم على خلفية ما لاحقهم من اتهامات بارتكاب أعمال متوحشة…وتوعد حميدتي بمحاربة الخرطوم حتى يوم القيامة…
في الاثناء يبقى الثابت ان ما يحدث سيكون سببا اضافيا في جر السودان الى مربع الاقتتال و تاجيل الاتفاق السياسي في السودان و معه تاجيل اعلان الدستور الجديد و العودة الى الدولة المدنية …. مسيرة التحول إلى الديمقراطية التي انطلقت في السودان بعد انتفاضة شعبية أطاحت بحكم البشيرلن يكون بامكانها ان تتحرك من جديد و ليس قبل ان يستعيد المجتمع المدني الذي صمد طويلا قبل ان يتم كتم أنفاسه لمواصلة مسيرة طويلة ومضنية …
اسيا العتروس - كاتبة تونسية
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال