وبين المعضلات الأخلاقية والصراع المرير على السلطة، لقيت المسرحية التراجيدية للكاتب البريطاني وليام شكسبير صدى واسعا لدى اليمنيين الذين يعيشون في بلد تمزقه حرب طاحنة منذ 8 سنوات.
وبالشراكة مع المجلس الثقافي البريطاني، حققت العروض العشرة للمسرحية نجاحا ملحوظا في المدينة الواقعة جنوبي البلاد، ونفدت كل التذاكر.
وتقدم المسرحية فرقة "خليج عدن" المحلية التي تأسست عام 2005، ويتولى إخراج العمل المخرج السينمائي اليمني عمرو جمال.
وكان جمال تولى إخراج فيلم "عشرة أيام قبل الزفّة"، وهو واحد من الأعمال السينمائية اليمنيّة القليلة في السنوات الأخيرة.
ولاحظ جمال، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن "غالبية ردود الفعل جميلة ومبشرة". ورأى أن "الناس سعداء بالعمل ولا يغادرون القاعة حتى نهاية المسرحية رغم كونها طويلة"، إذ تدوم 3 ساعات كاملة.
وأشار جمال إلى أن الرهان كان "على نجاح محدود لأنها مسرحية مستوحاة من الأدب العالمي، ولهذا النوع من الأعمال عادة جمهور محدود ولا يحظى بإعجاب واسع لدى الجمهور العريض".
انتعاش آمال عودة الثقافة
تم تقديم المسرحية بلهجة أهل عدن، ووقف ممثل على المسرح مرتديا الزي اليمني التقليدي. وعرضت المسرحية في مبنى المجلس التشريعي في عدن الذي يعود لأيام الاستعمار البريطاني.
وأعلنت بريطانيا العظمى في ثلاثينيات القرن الـ20 عدن "مستعمرة للتاج البريطاني". وما زالت آثار الاستعمار البريطاني حاضرة في المدينة من بينها "ساعة بيغ بن الصغرى" التي لم تعد تعمل.
ويصف المخرج المساعد مروان مفرق المسرحية بأنها "حلم قديم، واستطعنا تحقيقه بعد سنوات طويلة".
وقال مفرق بعد عرض في عدن الأسبوع الماضي إن "الأمر لم يكن مجرد مسرحية لشكسبير، بل هو ترميم لمعلم تاريخي".
ويرى المخرج المساعد أن مساحة العمل الفني "ضيقة للغاية. وسبب ذلك الوضع العام للبلاد وقلة الموارد الإنتاجية بالنسبة للمجال الثقافي والفني".
وأرخت الحرب بثقلها على سائر أوجه الحياة في اليمن، ومنها الجانب الثقافي والفني.
تدريب عن بعد
يتهدّد خطر المجاعة الملايين من سكان اليمن، في حين يحتاج آلاف، بينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى علاج طبي عاجل غير متوفر في البلد، الذي تعرّضت بنيته التحتية للتدمير. ويعتمد نحو 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، على المساعدات.
وتم تدريب فريق العمل عبر تقنية "زوم" للاتصال المرئي لمدة عامين من قبل متخصصين من مسرح غلوب شكسبير الشهير في لندن ومسرح فولكانو في ويلز.
وأكد المجلس الثقافي البريطاني التزامه بـ"تمكين وبناء قدرات الشباب من اليمنيين للتعبير عن أنفسهم بشكل خلاق"، مشيرا إلى أن "النسخة اليمنية من هاملت تجسد هذا الالتزام".
ويؤدي الممثل اليمني عمر مجلد أدوارا عدة، بينها دور "غيلدنسترن" صديق هاملت، ويقول إن التحضيرات استغرقت عامين كاملين.
وأضاف "تم تعديل السيناريو من شكسبير إلى اللغة العربية ومن ثم إلى اللهجة العدنية".
يقول مجلد "نأمل دائما نحن الفنانين في أن تتوفر أعمال ثقافية ومسرحية وسينمائية بمستوى كبير يساهم في إبراز الثقافة اليمنية".
وتجسّد نور ذاكر شخصية أوفيليا، موضحة أن "المسرحية ليست سهلة إطلاقا". وتعترف ذاكر بأن ممارسة التمثيل أمر صعب في مجتمع محافظ.
وتتابع "واجهت صعوبات كثيرة كوني فتاة في عدن (..) لم يعارض أهلي الموضوع، لكن الأمر صعب لأنني لم أتمكن من التوفيق بين دراستي والتمثيل، كما أن المجتمع لا يتقبل هذا الشيء".
وتشكّل المسرحية فرصة نادرة للسكان للترويح عن أنفسهم بعدما أثقلت الحرب كاهلهم.
جاءت هبة البكري لمشاهدة العرض المسرحي قائلة "نحن شعب متشوق لهذه الأمور ونتمنى تكرارها دوما. شعبنا دائما يشعر بضيق وتعب وهو بحاجة للترفيه عن نفسه"، وأضافت "نتمنى أن يتم افتتاح الكثير من الأمور والعودة إلى المسارح مرارا وتكرارا".
ويعرب فادي عبد الملك -وهو طالب جامعي- عن أمنيته في "الاهتمام أكثر بالفن والموسيقى فهي التي تزرع الحب والسلام في اليمن".
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال