قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن الإيرانية استخدمت القوة القاتلة غير المشروعة، فقتلت وجرحت العشرات خلال الاحتجاجات في زاهدان؛ قتل أغلبهم يوم 30 سبتمبر/أيلول 2022، في ما بات يسمى "الجمعة الدامي". ينبغي لبعثة تقصي الحقائق التابعة لـ "الأمم المتحدة" المنشأة حديثا بشأن إيران إيلاء اهتمام خاص لفظائع قوات الأمن في مناطق الأقليات مثل زاهدان، عاصمة محافظة سيستان وبلوشستان، حيث أغلبية السكان من البلوش.
وثّقت هيومن رايتس ووتش إطلاق النار على المتظاهرين والمارة عبر معاينة 52 صورة وفيديو قدمتها منظمة "حال وش" الإيرانية الحقوقية، وإجراء أبحاث باستخدام المصادر المفتوحة، ومقابلة 13 شخصا من الشهود وعائلات الذين قتلوا في 30 سبتمبر/أيلول وخلال أكتوبر/تشرين الأول.
وثقت هيومن رايتس ووتش عبر تحليل الصور والفيديوهات مقتل 12 شخصا على الأقل، بينهم صبي، وإصابة 30 آخرين في زاهدان في 30 سبتمبر/أيلول، ويُحتمل أن تكون الأعداد الفعلية أكبر بكثير. منذ 30 سبتمبر/أيلول، قتلت قوات الأمن ثمانية أشخاص على الأقل بالرصاص، وفقا لمصادر مطلعة قابلتها هيومن رايتس ووتش. بين الضحايا ثلاثة أطفال قتلوا بالرصاص في احتجاجات 30 سبتمبر/أيلول و28 أكتوبر/تشرين الأول.
قالت تارا سبهري فر، باحثة أولى في شؤون إيران في هيومن رايتس ووتش: "كان عدد القتلى من المتظاهرين والمارة على يد قوات الأمن الإيرانية يوم الجمعة الدامي هو الأكبر في أي احتجاج، لكن لم يُعتقل أي مسؤول. الوحشية الهائلة من جانب الحكومة دفعت معاناة المجتمعات المهمشة منذ زمن طويل، مثل زاهدان، إلى صلب الاحتجاجات".
تُظهر المعلومات المتوفرة أن في 30 سبتمبر/أيلول، أطلق عناصر من الشرطة والمخابرات النار على المتظاهرين من فوق أسطح المنازل المحيطة بالمصلى الكبير والمسجد المكي، المسجد السني الرئيسي في زاهدان. أطلقت قوات الأمن النار على سيارة كانت تقل المصابين إلى المستشفى. لم يشكل المتظاهرون في الغالب تهديدا جديا لقوات الأمن جيدة التسليح.
قال شاهد لـ هيومن رايتس ووتش: "بينما كنت أغادر [قاعة الصلاة] بحثا عن أخي، رأيت جثثا على الأرض، معظمهم من الشباب. في البداية، لم أكن أدرك أن الشرطة كانت تطلق النار، لكن بعد ذلك لاحظت أنهم كانوا يطلقون النار من المباني".
جمعت منظمات حقوقية بلوشية أسماء 85 إلى 97 شخصا، بينهم تسعة أطفال، قُتلوا بين 30 سبتمبر/أيلول و5 أكتوبر/تشرين الأول في زاهدان. ردت السلطات الإيرانية على الاحتجاجات اللاحقة بمزيد من القوة غير القانونية بدل إجراء تحقيق شفاف ونزيه ومحاسبة المسؤولين عن عمليات القتل.
في 30 سبتمبر/أيلول، كان الناس يغادرون قاعة الصلاة في المصلى الكبير في زاهدان حوالي الظهر، عندما أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص على عشرات المتظاهرين الشبان الذين كانوا يسيرون باتجاه "مركز الشرطة رقم 16"، على بعد أقل من 100 متر في الشمال الشرقي. بحسب الشهود وأدلة الفيديو، أطلق عناصر قوات الأمن المتمركزين على أسطح المباني الشاهقة المحيطة النار على المتظاهرين الذين بدأوا بإلقاء الحجارة وترديد شعارات الاحتجاج، فقتلوا وأصابوا عددا من المتظاهرين والمارة.
لاحقا في اليوم نفسه، اشتبك السكان مع الشرطة وقوات الأمن الأخرى وألقى بعضهم الحجارة وزجاجات "المولوتوف" الحارقة. قال شهود إن قوات الأمن أطلقت النار على العشرات، بينهم أطفال، بجوار المسجد المكي القريب، فقتلت وجرحت العديدين طوال العصر والمساء. استمرت الاحتجاجات عدة أيام.
قال إسماعيل شه بخش، عم فرزاد شه بخش (27 عاما)، في مقابلة مسجلة مسبقا حصلت هيومن رايتس ووتش على نسخة منها إنه ذهب في 30 سبتمبر/أيلول إلى مستشفى خاتَم بحثا عن ابن أخيه.
أضاف: "عندما دخلت غرفة الطوارئ، رأيت مشهدا مؤلما يستحيل وصفه. تحول سيراميك بلاط الأرضية الأبيض إلى الأحمر... تصفّحتُ ثلاث صفحات لأسماء المصابين تضم الواحدة منها 10 إلى 15 اسما ولم يكن اسم فرزاد فيها.... أعطتني ممرضة لاحقا خمس أو ست صفحات إضافية، تحوي الواحدة منها 18 إلى 20 اسما، وأخبرتني أن فرزاد كان بين القتلى".
مباشرة بعد أحداث 30 سبتمبر/أيلول، أفادت "تسنيم نيوز"، وهي وسيلة إعلامية مقربة من أجهزة الاستخبارات الإيرانية، أن "جيش العدل"، وهو مجموعة معارضة مسلحة، أعلن مسؤوليته عن "هجمات إرهابية" في زاهدان. زعم الموقع الإخباري أن متمردين مسلحين هاجموا ثلاثة مراكز للشرطة وأطلقوا النار على مركز الشرطة رقم 16، وهو ادعاء نفته الجماعة المسلحة.
أصدر إمام الجمعة البارز في زاهدان مولانا عبد الحميد إسماعيل زهي بيانا مصورا يدحض مزاعم المواقع الموالية للحكومة حول الحادث.
أضاف: "كان مركز الشرطة من بدأ في إطلاق النار أولا وعشوائيا باستخدام ذخيرة حربية تجاه المكان الذي كان هؤلاء الشباب يهتفون فيه ويعبّرون عن مشاعرهم، ولكن أيضا باتجاه المصلى الكبير حيث كان الناس يصلون، وهو ما أدى إلى انطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع داخل المصلى. تعرض قسم النساء أيضا لقنابل الغاز والرصاص وأدى إلى مقتل، استشهاد، امرأة".
وجد تحليل هيومن رايتس ووتش لفيديوهات وصور 30 سبتمبر/أيلول أن المتظاهرين ألقوا الحجارة على مراكز الشرطة في بعض الحالات، والزجاجات الحارقة في حالتين. لم يمكن رؤية المتظاهرين وهم يحملون أي أسلحة نارية ظاهرة أو يطلقون النار على قوات الأمن. في حادثة واحدة حوالي الساعة 5 عصرا قرب المسجد المكي، أفيد أن أحد المتظاهرين أطلق النار على سيارتين كان ركابهما يطلقون النار على المتظاهرين بدورهم، فقتل أربعة من عناصر "الحرس الثوري".
منذ 30 سبتمبر/أيلول، استمرت الاحتجاجات ضد الحكومة في زاهدان ومدن أخرى في المحافظة، خاصة أيام الجُمعة بعد الصلاة.
في 28 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر مجلس الأمن لمحافظة سيستان وبلوشستان، برئاسة المحافظ، بيانا قال فيه إن الاشتباكات أسفرت عن مقتل ستة عناصر أمن و35 شخصا آخرين. أضاف المجلس أن "الإهمال" كان وراء وفاة المصلين، وفَصَل رئيس قسم الشرطة رقم 16 ورئيس الشرطة في زاهدان، لكنه لم يشر إلى أي تحقيق إضافي في الاستخدام غير القانوني للقوة ضد المتظاهرين.
في اليوم نفسه، وخلال الاحتجاجات التي جرت بعد صلاة الجمعة، قال مصدران مقرّبان من الضحايا إن قوات الأمن أطلقت النار وقتلت طفلين على الأقل، هما عادل بريتشي كوتشك زايي (13 عاما) وأُميد نارويي (16 عاما) بطلقات نارية في الوجه والعنق.
منذ بداية الاحتجاجات الواسعة في إيران في 16 سبتمبر/أيلول، وثّقت هيومن رايتس ووتش استخدام قوات الأمن القوة المفرطة والقاتلة في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان. استُخدمت مسدسات، وبنادق الخرطوش، وبنادق حربية ضد المتظاهرين خلال مظاهرات كانت إلى حد كبير سلمية وحاشدة في 13 مدينة على الأقل في جميع أنحاء البلاد.
بحلول 9 ديسمبر/كانون الأول، أكدت "وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان" (هرانا) مقتل 255 شخصا خلال الاحتجاجات، وكانت تحقق في وفيات 226 آخرين. جاء أكثر من 200 تقرير عن الوفيات من المحافظات حيث غالبية السكان هم من الأقليتين الكردية والبلوشية.
ينبغي للحكومة الإيرانية الالتزام بـ "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل مسؤولي إنفاذ القانون"، والتي تنص على وجوب أن تستخدم قوات الأمن وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة. عندما يكون الاستخدام القانوني للقوة أمرا لا مفر منه، ينبغي لمسؤولي إنفاذ القانون ممارسة ضبط النفس والتصرف بما يتناسب مع خطورة الجريمة والهدف المشروع الذي يتعين تحقيقه. وينبغي أن يقلصوا الإصابات ويحترموا الحياة البشرية.
إضافة إلى ما سبق، لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة إلا عندما يتعذر تجنب ذلك وبهدف حماية الأرواح. تنص المبادئ الأساسية كذلك على أنه "في حالات الوفاة والإصابة الخطيرة أو غيرها من العواقب الوخيمة، ينبغي إرسال تقرير مفصل على الفور إلى السلطات المختصة".
اعتقلت السلطات آلاف المتظاهرين ومئات النشطاء الحقوقيين، وأخضعتهم لمحاكمات لا تفي بالمعايير الدولية، وكثيرا ما كانت تُصدر أحكاما قاسية بحقهم. في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، صرّح رئيس القضاء في سيستان وبلوشستان علي مصطفوي نیا لوسائل الإعلام أنه تم اعتقال 620 شخصا خلال الاحتجاجات في زاهدان وصدرت 45 لائحة اتهام على خلفية الاحتجاجات.
قالت سبهري فر: "يؤكد سجل الحكومة الإيرانية المريع بشأن الانتهاكات الحقوقية الضرورة الملحة للضغط من أجل الإفراج الفوري عن المحتجين المحتجزين ظلما وإيقاف المحاكمات الجائرة بوضوح".
ميادين - هيومن رايتس ووتش
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال