يرى المؤلف أنه توجد في بريطانيا أعداد كبيرة "أكبر من ما ينبغي" من الأجانب. وهؤلاء المهاجرون لا يمتلكون أية رغبة في الاندماج في النسيج الاجتماعي البريطاني.
يقول ديفيد غودهارت صاحب كتاب "الطريق نحو مكان ما: الثورة الشعبوية ومستقبل السياسة"، الصادر عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" بأن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب شكلت الدافع الرئيس لتأليف هذا الكتاب. ويعتبر كتابه هذا امتداداً لكتابه الأول حول الهجرة والتعدد الثقافي "الحلم البريطاني".
ويذكر الكاتب أنه استند في هذا الكتاب إلى عدة اشياء كان كتبها مسبقاً منذ كتابه "الحلم البريطاني" لا سيما مقاله الذي نشره في مجلة "ديموز كوارتلي".
صحيح أن الكتاب يعنى بالتركيز على بريطانيا إلا انه يتطرق إلى جميع الإتجاهات التي تمت إليها بصلة في أوروبا والولايات المتحدة. ويشكل محاولةٌ لتقديم نقدٍ أوسع لليبرالية المعاصرة من صميم الرؤية الراديكالية.
ؤكد غودهارت بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) وانتخاب دونالد ترامب – وهما أكبر عمليتي اقتراعٍ احتجاجيّ– لا يمكن اعتبار أنهما تمثلان مولد عصر سيادة الشعبوية بل شيخوختها.
ويرى الكاتب أن التصويت على البريكست كشف عن وجود انقسامٍ مركزي كبير داخل المجـتمع البريطاني. لكن هذا الصدع/الشـرخ لم يكن وليد الفوارق الإجــتـماعية الطبقية، وإن "كان الخيار السياسي الأكثر ارتباطاً بالطبقات الاجـتـماعية، المحتمل أن أشهده في حياتي برمتها؛ إذ وصلت نسبة المصوتين من أجل البقاء، في الطبقات الاجتماعية العليا 57% ومن ثم أخذت بالتناقص/ بالتراجع نزولاً، لتسجّل، في الطبقات الاجتماعية الدنيا 36% فـقط، في حين بلغت في الطبقـة الاجتماعية المـتوسطة 49%."
ويؤكد غودهارت أن الانقسام الحاصل يتمحور حول التعليم والحركة الاجتماعية، بل إنه في حقيقة الأمر نتيجة السببين معاً.
فلم يكن الثراء، أو المنصب الإداري الرفيع، المعيار الحاسم للتنبّؤ فيما إذا كان المرء قد صوت لصالح أو ضد بريكست، بل كونه خريجاً جامعياً أم لا؛ إذ إن أكثر من ثلثي الخريجين الجامعيين قد صوّتوا من أجل بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي. ويظهر هذا الانقسام، على نحوٍ واضح، من خلال تحديد السبب الذي استثار غضب المعارضين للخروج في تلك الحادثة، وهو ما حدث إثر تذمّر نايغل فاراج زعيم حزب بريكست البريطاني، حين عبّر عن شعوره بعدم الارتياح/بالانزعاج أثناء سفره في قطارٍ لا يقلّ أيّ مسافرين ناطقين بالإنكليزية؛ إذ ضجّت وسائل الإعلام، لأيام عديدة، بأصداء غضب "المنفتحين على أي مكان". لكن الطرافة جاءت حين تبيّن أن نسبةً تراوح 60% أو 70% من السكان المحليين رأوا أن ما ذهب إليه فاراج لا يعدو كونه أمراً بدهيّاً يوافق الفطرة السليمة.
ويخلص غودهارت إلى "أن معظم الناس – وإن ضمن مجتمعاتنا الأكثر غنىً وحركيةً – ما زالوا متجذرين ضمن عائلاتهم ومجتمعاتهم، فهم غالباً ينظرون إلى التغيير على أنه خسارة لشيء ما، ويشعرون بهرمية الروابط والالتزامات الأخلاقية نحو الآخرين. فطالما نظر "المنفتحون على أي مكان"، خلال الجيل الماضي، باستعلاء إلى أمثال هؤلاء الناس، إلا أن انتماءات هؤلاء لا تمثل عقبات في الطريق نحو تحقيق مجتمعٍ جيد، بل هي أحد حجارة الأساس لتشكيل هذا المجتمع. وبوسعنا القول إنه من الممكن حالياً، عقب صدمة عام 2016، إحداث تعايشٍ أكثر سعادةً؛ وهو ما يعني أن الكأس المقدسة التي يجب أن ترفعها سياسة الجيل القادم، هي المطالبة بتحقيق تسويةٍ جديدةٍ أكثر استقراراً بين "المنفتحين على أي مكان" و"المنغلقين على مكانٍ ما"، ما سيؤدي إلى المصالحة بين شطري الروح السياسية للإنسانية."
الواقع الذي يشدد عليه غودهارت هو أن موجات كبيرة من المهاجرين، حملت أعداداً كبيرة من الأجانب إلى بريطانيا. وبالتالي لم يعد من السهل الحديث عن التاريخ البريطاني، على أنه يخص حصراً أولئك الذين شاعت تسميتهم بـ"قبائل المحاربين الانكلو سكسون" ومعهم تاريخ "الرومان وورثتهم". ويرى غودهارت أن الأمة البريطانية "الحديثة" أصبحت تضم مكوّناً رئيساً تمثلّه مجموعات من الأقليات التي عانت من الاضطهاد في بلدانها. ولا يتردد في إضافة القول إنها، أي بريطانيا، وجدت بهذا المكوّن أحد مصادر ثرائها وبدونه "كانت أكثر فقراً"؛ هذا على الرغم من تحفظه الكبير حيال الهجرة بالطريقة التي جرت بها على مدى عقود.
يلفت المؤلف إلى أنه توجد في بريطانيا اليوم، أعداد كبيرة "أكبر من ما ينبغي" من الأجانب. وهؤلاء المهاجرون لا يمتلكون أية رغبة في الاندماج والتمثّل في النسيج الاجتماعي البريطاني. بتعبير آخر، انهم لا يريدون أن يصبحوا "مواطنين بريطانيين"."هؤلاء المهاجرون يُشكّلون عبئاً على الأموال العامة البريطانية". ولا يتردد المؤلف في القول أنه إذا فُتحت أبواب الهجرة، من دون أيّة قواعد تضبط ذلك، فإن القادمين من بلدان جنوب آسيا ربما يتخذون "مواقف مختلفة في ما يتعلّق بمجالات القواعد الصحيّة والنظافة".
ويؤكد المؤلف أنه ليس أبداً ضد الهجرة.. ويشير، كنوع من محاولة إثبات ذلك، إلى أنه ينتمي إيديولوجياً إلى تيار "اليسار الليبرالي"، البعيد حكماً عن أطروحات اليمين المحافظ المناهض للهجرة. ولكن هذا لا يمنع واقع أن قراءة تحليلاته تولّد الإحساس، أنه قريب من تلك الأطروحات.
ولهذا فإنه يوضح وجود مستويات مختلفة من القدرة على "الاندماج" في المجتمع الجديد. على الرغم من اعتقاده أن المهاجرين يشكّلون عنصراً هاماً في دعم النشاط الاقتصادي وتنشيط البنية الاجتماعية.
ويعطي مثلاً أن "الصوماليين يجدون تقليدياً صعوبة أكبر في الاندماج من الأستراليين". والنتيجة هي أن المهاجرين المعنيين يرون أنفسهم في موقع يجعلهم أقل تطلعاً كي يصبحوا "بريطانيين" في الحالة البريطانية، والاكتفاء بما يقدمه وجودهم "الرسمي" في بلد أجنبي، من مكاسب لهم. والنظرية الأساسية التي يدافع عنها المؤلف، بالنسبة لبريطانيا، هي أنها عرفت تبدّلاً نوعياً في طبيعتها، باكتسابها صفة "التعددية العرقية".
إن المهاجرين إلى بريطانيا، حالياً، كما يقول المؤلف، وإلى غيرها من بلدان استقبال المهاجرين، يجدون في شبكات "الإنترنت" ووسائل التواصل الجديدة الأخرى، سبيل إمكانية توطيد الصلات مع الأهل والأوطان بـ"كلفة قليلة جداً". ثم إن المحطات التلفزيونية الفضائية التي تتكاثر كالفطور تنقلهم لـ"عيش أحداث بلدانهم لحظة حدوثها".
دافيد غودهارت، صحافي بريطاني ومعلّق في العديد من البرامج التلفزيونية، مؤسس ورئيس تحرير مجلّة "برسبيكت". كان مراسلًا لصحيفة ـ"الفايننشال تايمز"، في ألمانيا لمدّة 12 سنة. يعمل الآن مديراً لمركز للأبحاث "ديموس".
محمد علي فقيه - الميادين نت
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال