في الأطلس المتوسط نسميه "تقاشر" جدتي إيطو لروحها السلام، بلكنتها الأمازيغية تسميها "تقناشر".
في الأيام القارصة كنا نمقت رضوان المحظوظ بالجوارب والمحفظة والأحديةالجلدية، ولنقائه وهيأته المدنية، كنا نلوم المعلمين الذين يتعاملون معه بلطف عكسنا نحن الذين كانوا يجبروننا على تمتيعهم ببيض دجاجنا أو بما توفر من اللبن. كان بيض دجاجاتنا الإيكوبوجية كأنه فرض قبولنا في المدرسة الإبتدائية لكي نتخلص من عقاب المعلمين (لتجنب المبالغة، ليس كل المعلمين كانوا هكذا، كان الكثير منهم شرفاء وأذكر السيد النعماني وسي احمد وسي لمرابط وأموش ولكبير من إفران وغيرهم ممن تناوبوا علينا في ابتدائية جبل عوام) كنا ملعونين بسبب أحذيتنا البلاستيكية وكان أغلبنا تجري بين شعرات رأسه قطعان القمل... كنا ملعونين رغم بيض دجاجاتنا الإيكوبوجية (البلدية).
أول مرة لبست الجوارب كانت في الإعدادي.. كانت تلك الجوارب التي يلبسها رياضيي كرة القدم، لكن في ذلك الزمن الموغل في البداوة، كانت النساء، نساء العمال أمهاتنا، كن يعتقدن أنها جوارب نساء لأنها تغطي كل الساق، لكن شخصيا، برغم أنها تغطي كل الساق كنت أفضل أن أنزلها تماهيا مع رجل فرس ذي لون مختلف عند قدميه، وحتى حين نلعب كرة القدم في فرق الأحياء كنت أضع شيئا مميزا في رجلي اليسرى، شيئا يترك عندي ذلك الإنطباع كوني مثل الفرس.. في الإعدادي كان من الصعب إقناع والدك البدوي بشراء جوارب رياضية، لا تدخل في رأسه ولا يمكنك أن تقنعه بأن أستاذ الرياضة وحصة الرياضة بشكل عام تفترض حذاء وجوارب وقميص بلون معين: "القراية" عند والدي هي الورق والقلم والحفظ (الذاكرة) دون هذا هو ترف حضاري وكان من حسن حظي أن أخوالي بمدينة أزرو هم من كانوا يمدوني بالجوارب والأقمصة.
أمس علمت أن وزير العدل المغربي يعرف الناس من رائحة جواربها
عودة إلى الإبتدائي و "رضوان" الجزائري، قلت لم نكن بجوارب حينها وكانت ارجلنا حافية إلا من حذاء بلاستيكي أسود، وكان عندما تشتد حرارة النهار تشتد أيض رائحة أرجلنا الصغيرة لدرجة كانت تأخذ لون السراب في القسم، كنا نرى رائحة أرجلنا في فضاء القسم وأقسم لكم بالله كنا نرى السراب يسبح في فضاء القسم، إنه لون رائحة ارجلنا، وكان بعض المعلمين الذين يدرسونا بلداء لدرجة معينة خاصة حين يأمر تلميذ يفترض أنه رضوان النظيف بأحذيته الجلدية ليشم أرجلنا ويكشف من منا أرجله كانت اكثر اختمارا، وحين يكشفنا هذا التلميذ يأمرنا المعلم بغسل أرجلنا وترك الأحذية خارجا، لكن مع ذلك تبقى الرائحة لصيقة بأرجلنا بشكل كان يجب على أولياء المدرسة إحضار كيس من الملح وليس الصابون لغسل أرجلنا، كان المعلم قنوعا بذلك الفعل من غسل أرجلنا بدون ماء ولا صابون (أحيانا كان يحضر هو بنفسه الصابون الحجري القديم) وربما بسبب السجارة التي يدخنها حيث الرائحة الحادة لدخانها كانت تغلب خنز أرجلنا خصوصا في المربع الخاص بالمعلم ، مكتبه وسبورته الخشبية السوداء، لم تكن للمعلم سلطة أخرى غير امرنا بغسل الأرجل، اما التلاميذ فكان لهم ذكاء مفرط اكثر منه، بالتجربة ومقاومة للضرب، ضرب المعلم، والضرب هذا لم يكن دائما بسبب ارجلنا أو عدم حفظ دروسنا، بل احيانا لأنه رآنا نلعب خارج حصة الدرس، كان المعلم في وقتنا هذا ضد لعب الأطفال، وكانت حصة العقاب لمن لم يحضر فروضه المنزلية اكثر إذا ضبطه المعلم يلعب، كنا نلعب وحين نرى المعلم قادما نجري للإختفاء، وعادة حين تعرف أن معلمك ضبطك في اللعب وأنت لم تنجز تلك الفروض الخرافية، كنا نطلي أيدينا بسائل الثوم وكان الذي يتلقى كمية كبيرة من الضرب والتفليق يضع الثوم أيضا في أرجله وكان من الصدف العجيبة أن التلميذ النجيب الذي يشم أرجلنا لم يكتشف يوما رائحة أرجل الذي يتلقى منا كمية كبيرة من الضرب برغم حذائه البلاستيكي الأسود بسبب من قوة رائحة الثوم . مع الوقت تنبه الجميع لرائحة الثوم التي تغلب رائحة الارجل ، ومن كان يملك منا جواربا كان ايضا يطليها بالثوم فتكون رائحة القسم سراب من رائحة الثوم كأننا كائنات تطبخ في طنجرة القسم ذي الحرارة الفائقة . في ذلك الزمن كان عدونا هو المعلم وشمام الأرجل والتلميذ ذي البنية الجسمية القوية، اليوم عدونا هو الوزير المهرج والمؤسسات الشمامة لرائحة جوارب المواطنين والمخزن القمعي والأجهزة القمعية، لقد حولوا حياتنا إلى سراب تشكله رائحة الثوم، والحقيقة ان الذي ذكرني هنا بطفولتي البئيسة هو ذلك التصريح الغر لوزير العدل المغربي، هو من ذكرني بحكاية الجوارب والأرجل الحافية، وهو ايض من الهمني بأننا مازلنا نعيش في زمن سراب الثوم الذي عشناه ونحن أطفال ولو بشكل متفاوت من حيث التحول من المدرسة إلى الدولة، لم يتغير فينا أي شيء، نفس عقلية المعلم الرقيب للعب الأطفال حتى وإن كان وزيرا، نفس المزاج التربوي حتى وإن تعلم المرأ في المدارس االغربية، الكل لازال يمارس مهنة التربية في المغرب بأشكالها القروسطية الجحيمية والفرق هو فقط في البنية التحتية بشكل هو: النجاح عندنا هو التخلص من البنية القمعية والتخلص هذا هو ان تكون طيعا طيبا او أن تهاجر، لقد خلق التعليم منا وحش "هيدرا"، ذلك الوحش الذي إذا قطعت رأسه نبتت رؤوس أخرى محله، في طفولتنا كان المعلم قاسيا لكن ايضا كانت مقاومتنا شديدة وشاذة من قبيل غسل الأرجل بالثوم .
وزير العدل حضر إلى اجتماع في بلدية بتارودانت باعتباره رئيسها وليس باعتباره وزيرا للعدل، لكن ما قاله تجاوز وظيفته كرئيس الجماعة، وتجاوزها اكثر كوزير للعدل حيث أفصح عن شيء غريب لا علاقة له بالعدل، وحتى نكون في السياق، خاطب السيد وهبي المدير الإقليمي لوزارة الثقافة بما يلي: ""أنا وزير العدل وكل المؤسسات تشتغل معي. أنا أعرف عنك كل شيء وأعرف حتى لون الجوارب التي تلبسها".
ذكرني الوزير بالطفل الذي كان يشم أرجلنا في القسم الإبتدائي، كان ايضا طيبا مثل الوزير، كان يتودد لنا حين نحرمه من اللعب معنا وكان يقول: "انا أعرفكم جيدا، وإذا لم تتركوني ألعب معكم سأوشي بخنز أرجلكم " وكان الطفل هذا يوشي في الغالب بالذين لم يكونوا ودودون معه (لقد قلت سابقا بان الرائحة في القسم الإبتدائي لها لون السراب، لكن الطفل الشمام كان يختار اعداءه فقط).
هل يليق بوزير عدل ان يقول هذا؟ تجاوزا نحن هنا لا نتكلم عن وزير العدل بل رئيس بلدية، وتحديد الصفة في الممارسة الإدارية او السياسية هو تحديد زمكاني: إن الوزير (وزير العدل ) نسي نفسه انه في الزمكان هو رئيس بلدية فقط وليس وزيرا للعدل، ثم إنه تجاوزا لمهمته كرئيس بلدية، خلط الأوراق بشكل خارق جدا، إن وزير العدل عليه افتراضيا أن يكون نزيها كالقاضي نفسه لا علاقة له بوزارة "الشم" التي هي وزارة الداخلية، وحتى إذا كانت وزارة الداخلية توصله بشم الجوارب عليه هو ان يكون نزيها محايدا وليس شماما كوزير الداخلية.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال