في يوم خريفي مشمس، ينشغل الفلسطيني "بشار شرب" بصب القهوة في أكواب ورقية صغيرة للمتطوعين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يساعدونه في قطف ثمار الزيتون بالقرب من قرية عورتا، القريبة من مدينة نابلس بالضفة الغربية. ينقسم المتطوعون إلى مجموعتين: في المجموعة الأولى يستخدمون سلالم للوصول إلى الثمار الصغيرة، وفي الثانية يضعون أغطية بلاستيكية تحت الأشجار لجمع الزيتون المتساقط.
اليوم يقضي متطوعو المنظمة بضع ساعات لمساعدة الفلسطينيين في قطف الزيتون في الضفة الغربية المحتلة، التي احتلتها إسرائيل في عام 1967. "اليوم مثل عيد بالنسبة إلينا لأن المتطوعين الإسرائيليين معنا وبالتالي يمكننا العمل بأمان. ليس مهماً أن يعملوا، لكن بمجرد المجيء والجلوس معنا، نشعر بالأمان، لأنه لا يوجد أمان (بدونهم) على الإطلاق"، بحسب ما يقوله الفلسطيني شرب، الذي ينحدر من قرية عورتا.
في ذلك اليوم، انضم إليهم دبلوماسيون أمريكيون جاؤوا للتحدث مع القرويين حول الوضع والمساعدة في قطف الزيتون.
وكان موسم قطف ثمار الزيتون قد بدأ في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر بعد أول هطول خفيف للأمطار. وفي مطلق الأحوال تعتبر مهمة قطف الزيتون عملا شاقا في أفضل الأوقات. وقد تحدث في هذا المجال أمور غير متوقعة وفي بعض الأحيان تصبح خطيرة. فحسب منظمات حقوق الإنسان المحلية تتصاعد حوادث العنف بين القرويين والمستوطنين الإسرائيليين خلال موسم القطاف.
تقول المتطوعة راشيل ياغيل من تل أبيب: "من سنة إلى أخرى، يزداد الأمر سوءاً من جانب المستوطنين؛ إذ يتعرض الفلسطينيون لمضايقات شديدة منهم". السيدة الإسرائيلية التي تبلغ من العمر (77 )عاماً اعتادت على قطف ثمار الزيتون جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين لسنوات عديدة. "أعتقد أنه من المهم الحضور والمساعدة في الحصاد وإظهار أنه ليس كل الإسرائيليين عنيفين".
من جانبه يقول الفلسطيني بشار شرب وهو يشير إلى مستوطنة إيتامار، إن الجيش الإسرائيلي يخبره أحياناً أنه لا يمكن له أن يكون في الحقول دون تنسيق مسبق. ويتابع "هذا غير مسموح به لأن الحقول قريبة من من إيتامار. انظري إلى أي مدى نحن قريبون من إيتامار".
تصاعدأعمال العنف من قبل المستوطنين
منذ بداية موسم الحصاد، وثقت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "ييش دين" ما لا يقل عن 41 حادثة ضد الفلسطينيين. وتشمل الرشق بالحجارة والاعتداء الجسدي وسرقة محصول الزيتون. بالإضافة إلى ذلك، تم قطع أو حرق ما لا يقل عن 400 شجرة زيتون في هذه الفترة وحدها.
يشكل هذا الضرر خسارة كبيرة للفلسطينيين، إذ تحمل بساتين الزيتون معنى رمزياً واقتصادياً عميقاً بالنسبة لهم. فما يقرب من نصف الأراضي الزراعية في الضفة الغربية مزروعة بأشجار الزيتون التي تشبه صلاتهم بأرضهم. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تعتمد أكثر من 80 ألف أسرة في الضفة الغربية على زيت الزيتون كمصدر أساسي أو ثانوي للدخل. كما تستخدمه معظم العائلات لاستهلاكها الخاص حتى موسم الحصاد التالي.
يصف آفي دابوش، مدير RHR، كيف تحاول المنظمة "الجمع بين قيمنا اليهودية وقضايا حقوق الإنسان. القضية الأساسية بالنسبة لنا هي الاحتلال (الإسرائيلي)، وفي هذه الحالة، حقوق المزارعين الفلسطينيين". ويضيف دابوش: "نحاول أن نظل متفائلين وأن نكون عمليين ونبذل كل ما في وسعنا ". ويقول إنه بحضور منظمة (RHR) لموسم قطف الثمار، لن ينتهي الاحتلال، لكن "نريد على الأقل أن يكون العنف خلال هذه الأيام أقل من المعتاد".
"حماية" للفلسطينيين
غالباً ما يقف المستوطنون الشباب من البؤر الاستيطانية غير الشرعية وراء أعمال العنف. وذكرت صحيفة هآرتس أن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس دعا إلى اجتماع طارئ قبل أيام لمناقشة تصاعد العنف. وكتب الصحفي عاموس هرئيل أن "العجز في التعامل مع العنف منهجي. ولم يتم عمل الكثير لتصحيح الوضع على الرغم من استمراره لسنوات عديدة ".
في الحقل، يوضح آفي دابوش من منظمة حاخامات من أجل حقوق الإنسان "نحن على اتصال بالجيش. يعرف الجيش الإسرائيلي أن هذه أماكن خطرة على المزارعين. ونحن نحاول أن نكون نوعاً من الحماية للمزارعين الفلسطينيين ضد هذا العنف ومراقبتهم".
في أواخر الشهر الماضي، تم تسجيل مستوطنين يسيئون لفظيا ويرشون الفلفل على متطوعين إسرائيليين وفلسطينيين يعملون في الحقول. وشوهد جندي يقف بين الطرفين. ويستذكر سمير عوض، المنسق الفلسطيني لدى منظمة RHR الحادث قائلاً: "وصلنا إلى المنطقة التي سُمح لنا فيها بالدخول والعمل.. هاجمنا المستوطنون هناك أمام الجيش".وفي تصريح لـ DW، قال الجيش الإسرائيلي "عملت القوات الإسرائيلية على الفور. وتم نقل تفاصيل الجناة وقضية الجناة إلى الشرطة الإسرائيلية لمزيد من المعالجة". وأضاف الجيش الإسرائيلي، الذي يمارس سيطرة عسكرية على الضفة الغربية، أنه "يبذل الكثير من الجهد لمنع وقوع أعمال عنف في منطقة يهودا والسامرة"، التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية.
عبء البيروقراطية
تضيف حاجة الفلسطينيين إلى تنسيق الوصول إلى مناطق معينة إلى صعوبة قضاء الوقت اللازم لزراعة وحصاد مزروعاتهم. تحتاج الحقول الواقعة على مقربة معينة من المستوطنات إلى تنسيق مسبق مع مكتب إسرائيل لمنسق أنشطة الحكومة في المناطق. في بعض الأحيان لا تُمنح التصاريح إلا لبضعة أيام أو تصبح منطقة مقيدة فجأة وتتطلب تصريحاً، كما يشتكي القرويون.
يقول سمير عوض: "هذه أشجار تحتاج إلى الاهتمام مثل طفل صغير.. أنت بحاجة إلى الاعتناء بشجرة وتقليمها ورؤية (أغصان متضخمة أو جافة). تحتاج إلى العناية بالتربة وتقليبها وتسميدها."
تانيا كريمر/ ريم ضوا / DW
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال