من قديم الأزل يأكل الإنسان الخبز، ويكون غالباً على هيئة رغيف مصنوع من دقيق القمح أو الذرة أو الشعير، وأتت تسميته نظراً إلى طريقة صنعه، فالخبز هو فعل الضرب، والمقصود هنا أننا نضرب على الدقيق بأيدينا حتى يصير عجيناً، ومن ثم نضرب العجين ونشكله ونطهوه على النار فينتج رغيف خبز، وهذه هي الطريقة المستخدمة منذ الأزل وحتى الآن.
"العَيْشُ" في المعجم هو ما تقوم به الحياة من المشرب والمطعم والسكن، وذلك يتم من خلال الراتب أو الدخل الشهري، ومما عرفناه أن العمال في مصر القديمة كانت بعض رواتبهم تُدفع خبزاً، فصار اسمه "عيشاً" لأنه دخلٌ وطعام في آن واحد.
وجيلاً بعد جيل بعد ألف جيل والعيش هو الطعام الأساسي في مصدر غذاء غالبية الشعب، وهذا لعدة عوامل منها أنه مشبع لدرجة عظيمة، وأيضاً لأنه الأرخص بين كل المأكولات، ولتعدد استخداماته؛ فنأكل نحن الخبز وما يفيض تأكله الحيوانات أو الطيور، وإن لم يكن لديك حيوانات تستطيع بيع المتبقي منك لمن لديه حيوانات، نظراً لأن الخبز في تلك الحالة يكون أرخص من أنواع العلف المباعة في الأسواق.
أطلّ علينا الرئيس المصري يقول: "إنه لا يُعقل أن يكون ثمن سيجارة واحدة يوازي ثمن 20 رغيفاً من الخبز"، مؤكداً أن هذا الأمر يجب أن يتوقف، في البداية كنتُ لا أدري إن كان ينوي رفع ثمن السجائر أم ماذا.
ولكن بعد ذلك وجدت أنه سوف يرفع ثمن الخبز، وفكرت في التاريخ، في التاريخ الحديث حتى، ستأتي في ذهنك ذكريات أن ما حدث مشابه لِما قام به السادات عام 1977، حين قرر فرض المزيد من رفع الدعم لسد جزء من عجز الموازنة، ورفع سعر الخبز بنسبة 50% ضمن هذه الإجراءات. في الأيام التالية لذلك انتفضت القرى والمدن المصرية كلها وخرجت عن بكرة أبيها في أيام 17 و18 و19 يناير/كانون الثاني 1977، تلك الأحداث التي سماها الشعب "انتفاضه الخبز"، بينما أصر السادات على تسميتها "ثورة الحرامية"، مشيراً من خلال الإعلام إلى أنها مخطط شيوعي لقلب نظام الحكم.
وأخيراً، لا أتمنى أن تحدث في مصر أحداث مشابهة أخرى لما كان في أيام السادات، فثورةٌ بلا قائد مثل تلك نعلم جميعاً نهايتها؛ فثورة ليس لديها أهداف أو مخططات للحكم بشكل سليم، أو ثورة تخرج لتأخذ حق رغيف الخبز وتعود لن تكون خياراً جيداً للجميع، فلا أتمنى أن تحدث مطلقاً، ولكن ماذا لو حدثت؟ من يتحمل كل تلك الخسائر التي أتت في مخيلتك الآن؟
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال