قبل عمليات الدمج التي حدثت بين عدد من شركات الإنتاج الفني، كان الحديث عن تردي المستوى الإبداعي للمُسلسلات والأفلام، هو المُبرر لإحكام السيطرة على رأس المال وتوظيفه التوظيف الصحيح، لخدمة القضايا العامة عن طريق إصلاح الشأن الثقافي، وإحداث التغيير الإيجابي في البنية التحتية للأفكار، عن طريق القوة الناعمة، ذلك التعريف الشائع للمُصنفات الفنية، الذي فقد قيمته وتأثيره من فرط الاستخدام الركيك والتكرار المُمل للمُصطلح، الذي تحول إلى عبارة ممجوجة تلوكها الألسنة بلا إدراك حقيقي للمعنى ودلالته وأهميته داخل السياقات الكثيرة والمُتعددة.
أعمال لا تحمل من سمات الإبداع شيئاً، فالداعي للقتل، والمحرض عليه كالقاتل، وكذا المُغتصب وقاطع الطريق وهاتك الأعراض وتاجر المخدرات والبغي والساقطة والمُهرب والبلطجي، كلها نماذج امتلأت بها الحلقات، وفاضت عن حاجة الجمهور للعظة والاستيعاب والفطنة.
لم تكن هذه النوعيات من الأعمال الرائدة راكدة ولا خاسرة، بل كانت رائجة وزاخرة وقيمة ومضمونة العائد والربح، «رحلة السيد أبو العلا البشري»، حيث القيمة الإنسانية والمثالية، وعظمة الممثل القدير محمود مرسي، كلها كانت مسوغات للتميز وضمانة للنجاح على كل الأصعدة والمستويات، «ليالي الحلمية» و«المال والبنون» و«أرابيسك» و«الراية البيضاء» و«الزير سالم» و«الفرسان» و«الوعد الحق» و«على هامش السيرة» و«محمد رسول الله» و«الطارق» و«جمهورية زفتي» و«الشارع الجديد» و«الأيام» و«دموع في عيون وقحة» و«رأفت الهجان» و«زيزينيا» و«عفاريت السيالة» و«عصفور النار» و«الطاحونة» و«الرجل والحصان» و«ضمير أبله حكمت» و«وجه القمر».. مئات المسلسلات لعشرات النجوم والنجمات، تم عرضها في رمضان وغير رمضان، ولم يُثر أي منها ما أثارته مسلسلات اليوم من عينة «ملوك الجدعنة» و«لحم غزال» و«ضل راجل» و«النمر» و«قصر النيل»، تلك الأجناس الغريبة والشاذة من دراما تبعث على القلق والخوف والفوضى، وتؤدي إلى الفزع من استحلال القتل والسرقة واستسهال الخطف والحرق والاغتصاب، وإضافة أرخص المفردات لقاموس التخاطب بين الفئات المُنحرفة من أرباب السجون وقتلة الأطفال والنساء، ومتعهدي الإجرام بكل أشكاله وأطيافه ومخاطره!
أعمال لا تحمل من سمات الإبداع شيئاً، فالداعي للقتل، والمحرض عليه كالقاتل، وكذا المُغتصب وقاطع الطريق وهاتك الأعراض وتاجر المخدرات والبغي والساقطة والمُهرب والبلطجي، كلها نماذج امتلأت بها الحلقات، وفاضت عن حاجة الجمهور للعظة والاستيعاب والفطنة والحذر، فصارت هي المقياس والشارة والعلامة لكل أشكال الجريمة والانحراف والكوارث اليومية في الساحات والباحات والشوارع والأسواق والبيوت والمؤسسات، كأنها الوباء انتشر ولا سبيل لمواجهته غير التسليم بوجوده والاعتراف به، وتلك أولى دلالات السقوط المُجتمعي والقيمي والأخلاقي، حيث لا جدوى من المعالجات الشكلية والسريعة في الحلقة الأخيرة لكل مسلسل، ولا تأثير لمصائر الأبطال السوداوية في نهايات الأحداث، فما يُعرض على مدار ثلاثين يوماً ويتشبع به الشباب والمراهقين من الجنسين، لا تمحوه لحظات الندم البادية على الوجوه في الفصل الأخير من المأساة.
الصناعة الدرامية المركزة بهذه الكيفية أخطر على النشء والأجيال من الأوبئة والأمراض المُستعصية، فلينظر صُناع الدراما ومحتكروها إلى زوايا الصورة التي بات عليها المواطن المصري في دراما تصنع منه مُجرماً وتحيله إلى ضحية في آن واحد، على أيدي محدثي الشهرة من النجوم والنجمات، والمبتدئين في الكتابة والتأليف والإخراج!
كمال القاضي - كاتب مصري / القدس العربي
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال