يستند المسرحي كامل الباشا في تدريباته للإيطاليين على المزج بين تقنية إيطالية للمخرج غابرييلي فاتشيز "السكيرا"، وتقنية فلسطينية تستند على التناغم الجسدي والفكري.
جرت العادة في زمننا أن يكون الإنسان الغربي مصدِّرا للمعرفة نحو المشرق، غير أن كامل باشا نقل معرفته وتجربته في المجال الدراماتورجي إلى البلاد الغربية كمدرب مسرحي زائر في إيطاليا، أرض الكولوسيوم الروماني ومهد "مسرح العلبة" (الشكل الكلاسيكي للمسرح، المربع، المُؤَسس في القرن الـ16).
جيل حرب الاستنزاف
كامل الباشا المزداد، قبل حرب الاستنزاف، سنة 1962، بالقدس، لم يستنزفه الحصار المضروب على القدس المحتلة، بل زاده همة، والتزاما بقضيته العادلة، ليخترق جدار العزل المحلي، نحو أمكنة مسرحية عالمية كان أبرزها شبه الجزيرة الإيطالية، ليتبادل ويطور قدراته الفنية في البندقية وروما وبولفاريغي ومدن أخرى.
الباشا وهو يؤطر شبابا مسرحيين إيطاليين وغيرهم، كان سفيرا لقضيته الفلسطينية، "جديته وطيبته في العمل، تجعل منه إنساناَ محترما جدا وله قدرة على التواصل، وهو يتقاسم خبراته الفنية مع الشباب"، كما تشهد بذلك فابيولا بالماس، ممثلة إيطالية، متحدثة للجزيرة نت، كانت من ضمن المستفيدات في إحدى الدورات التدريبية التي أشرف عليها الفنان الفلسطيني في مدينة تورينو شمال إيطاليا.
كامل الباشا، خريج أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد سنة 1983، يشارك الجيل الجديد الإيطالي معرفته، ويحكيها بأسلوب عذب، وهو القادم من تجربة مسرح الحكواتي، بالمسرح الوطني بالقدس المحتلة، حيث كان مديرا ما بين 2008 و2011، والتي بصم فيها الفنان المقدسي على برامج تكوين دولية هامة.
يصرح الباشا للجزيرة نت لقد "قمنا بزيارات وورشات متبادلة لأساتذتنا وطلابنا وورشات مشتركة، وقدمنا عدة إنتاجات مسرحية عرضت في فلسطين وإيطاليا بدعم وتمويل من مؤسسة التعاون الإيطالي".
عِلْم يُنتفع به
الباشا، الذي راكم تجربة فنية طويلة (شخّص 32 مسرحية)، يحظى بتقدير من لدن مؤسسات ثقافية إيطالية، من ضمنها المعهد الدولي للمسرح في تورينو، الذي استضافه في برنامج خاص للتبادل المعرفي الفني، لفائدة مهاجرين عرب وشباب إيطاليين "كانت تصل مدة التدريب أسبوعين، ليقدم بعدها المشاركون عرضا مصغرا يستند إلى مسرحيات عالمية، نذكر منها واحدة بعنوان "الأم" للكاتب الألماني برتولد بريخت"، يقول الباشا.
قبل سنوات طويلة، من نيله لجائزة أحسن ممثل بمهرجان البندقية السينمائي، كان كامل الباشا معروفا فقط كفنان مسرحي سواء على الصعيد العربي أو العالمي، باعتباره ممثلا ومخرجا مسرحيا وأكاديميا، من خلال مشاركاته المسرحية وعضويته في لجان تحكيم مهرجانات عربية وعالمية، منها مثلا مسرح حوض المتوسط بموتريل في إسبانيا، قرطاج بتونس، نيوهافن بجامعة ييل في أميركا ومهرجان السويد بغوتنبرغ، وغير ذلك، إضافة إلى مشاركته في جولات لمسرحيات فلسطينية في عدة دول.
وشارك إلى جانب مخرجين عرب ودوليين من المغرب وبريطانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وأميركا، في ورشات عديدة كمُتًدرب ومدرِّب أيضا، إذ تؤكد فابيولا، إحدى الممثلات الإيطاليات اللواتي تتلمذن على يد الباشا في المسرح، خلال دورتين تكوينيتين، الأولى في تورينو والثانية في القدس "كان يتركنا أحرارًا، كممثلين، في البحث عن طريقة تقمصنا للأدوار، ثم تتشابك شخصياتنا المتعددة، بفضل تكوينه المسرحي لنا، بدرجة كبيرة من التناغم. كامل مدرب مسرحي له أثر بارز في مساري على الخشبة، ولا يمكن نسيانه".
يستند المسرحي كامل الباشا في تدريباته للإيطاليين على المزج بين تقنية إيطالية للمخرج غابرييلي فاتشيز "السكيرا"، وتقنية فلسطينية يعمل عليها الفنان المقدسي منذ سنوات كممثل ومدرب تمثيل، تستند على التناغم الجسدي والفكري، وتخلي الممثل عن أي تصورات مسبقة لماهية ومهمة الممثل وطرق الأداء المألوفة، وتتيح لكل ممثل تجربة طريقته المبتدعة ذاتيا في الأداء.
ويوضح الباشا قائلا "تلك طريقتي الخاصة التي أسميها (النقطة الصفر) والتي ترتكز على توحيد الإيقاع الجسدي للمجموعة، ثم تمرير قواعد نظرية ستانسلافسكي في التمثيل، عبر فهم جسدي لعناصر تلك النظرية، ثم ارتجال مشاهد وشخصيات من الواقع ومن النص، جسديا ثم حواريا، وبناء المشاهد استنادا لتلك الارتجالات وما جاء بينها والنص المفترض تقديمه للجمهور".
إيطاليا.. فأل خير
التعاون بين إيطاليا وفلسطين المحتلة في المجال الثقافي، المسرحي تحديدا، يراه المخرج كامل مثمرا جدا وهو "دليل على مهنيتنا وحرفيتنا العالية في فلسطين، ورغبة الطرفين في التعاون الذي يستند على صداقة عميقة وقديمة بين الشعبين، والاحترام المتبادل، كما لا يخفى على أحد دعم إيطاليا لنا ووقوف شعبها إلى جانب قضيتنا العادلة في مواجهتنا للاحتلال".
يعتبر كامل الباشا أن مؤسسة التعاون الدولي الإيطالي، لها فضل كبير في العديد من البرامج والمشاريع الثقافية والفنية في القدس وفلسطين، سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون، أو في مجال التدريب، والمشاركة في المهرجانات والإنتاجات الفنية. "تجربتي معهم واحدة من نماذج كثيرة لنجاح وإيجابيات هذا التعاون"، يؤكد الباشا.
ويقر الباشا بأن جائزة مهرجان البندقية، فتحت أمامه العديد من الأبواب في الوطن العربي، غير أن طموحه، كما صرح للجزيرة نت، أبعد من الجماهيرية والنجومية، لأنه "يرتكز على المشاركة في كل ما يمكن أن يساهم في تحرير وتطوير الشخصية الإنسانية، وزيادة انفتاحها على الآخر، وانتصارها للحق والعدل والخير".
حديث كامل الباشا ينسجم مع حاله الاجتماعي الذي ينتصر للإنسان المتعايش، وهو الفلسطيني المسلم المتزوج من بنت بلده المسيحية السيدة ريم تلحمي، الفنانة المغنية والممثلة المسرحية.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال