مع أول أيام شهر مارس/آذار وحتى نهايته، تبدأ كل عام مراسم الاحتفال بذكرى المطرب المصري العربي عبد الحليم حافظ، وفي كل عام يجتهد الكُتّاب والصحافيون والإعلاميون في البحث عن الجديد والمُثير في حياة الفتى الريفي البسيط، الذي أضحى ملء السمع والبصر وعاش حياة قصيرة، وامتد أثره الفني والإبداعي طويلاً – طويلا، فلم يكن قد بلغ الخمسين من عمره حين توفي في عام 1977 في أحد مستشفيات لندن إثر تعرضه لأزمة صحية جديدة لم يتحملها الجسد النحيل لصاحب الحنجرة الذهبية، والصوت العابر للمُدن والعواصم والقارات.
ولم يعدم المُفترون والمجترئون على الحقيقة وسائل التشهير وأدوات الدعاية التي تجعل من الكذب والشائعات محض حقائق، فقد استخدموا بعض الأسماء كأمثلة لضحايا الحرب التي شنها المطرب المُستهدف حياً وميتاً ضد أصحاب المواهب والأصوات، فكان على رأس من ذُكروا في هذا المقام، هاني شاكر وماهر العطار ومحمد رشدي وغيرهم، وبالتكرار التصقت التهمة بالمطرب الموهوب الذي حاول إثبات العكس، بتبنيه لعماد عبد الحليم فمنحه اسمه، وعمل على تصعيده حتى صار صوتاً معروفاً وموهبة يُشار إليها بالبنان، وحصل عماد على الفرصة كاملة فغنى وأطرب الملايين ولعب دور البطولة في العديد من الأفلام، لكن الأمر لم يتغير كثيراً، إذ ظلت التهمة الموجهة لعبد الحليم حافظ كما هي، بل زاد الحُنق عليه من الخصوم والمشككين في نزاهته وعمق موهبته.
ولم يعدم المُفترون والمجترئون على الحقيقة وسائل التشهير وأدوات الدعاية التي تجعل من الكذب والشائعات محض حقائق، فقد استخدموا بعض الأسماء كأمثلة لضحايا الحرب التي شنها المطرب المُستهدف حياً وميتاً ضد أصحاب المواهب والأصوات.
وبمرور الوقت والاستمرار في النجاح والتألق والنبوغ اختفت هذه النبرة تدريجياً، وحل محلها اتهام آخر، حيث بدأت فرية جديدة بأن حليم ليس مريضاً، وإنما يتمارض لاستدرار عطف الجمهور، لتزداد شعبيته من السُذج الذين تنطلي عليهم حيل الآهات فيصدقونها ويتأثرون بها، ولم يتوقف المغرضون والحاقدون يوماً عن التجريح والنيل منه ومن نجاحه حتى آخر حفلاته، التي غنى فيها أغنيته الشهيرة «قارئة الفنجان»، دُبرت المؤامرة بليل واحتشد المأجورون في المسرح، يُطلقون صيحات السخرية والتهكم في محاولة لاستفزازه ليخرج عن لياقته وهدوئه، ولما فطن للمؤامرة، وحاول الرد بأبسط عبارات الاحتجاج قامت الدنيا ولم تقعد، لإحداث الوقيعة بينه وبين جمهوره، فاضطر للاعتذار، وهو المتورط في المشكلة من دون إرادة منه ولا قصد، غير أن ما حدث من انفعال بسيط كان رد فعل لم يُغفر له.
ومرت العاصفة مرورها القاسي على المطرب الرقيق الحساس، ولم يشأ أن يُعاتب أحداً أو يُحمله مسؤولية ما حدث، ومضى يواصل بمفرده مشوار الألم إلى أن اشتد عليه المرض، وتحتمت نهايته بالموت في بلاد الغرب، وبالتحديد في العاصمة البريطانية، لندن التي مُنع ذات يوم من دخولها في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر، وجاءت التعليلات من قبل السُلطات غريبة وعجيبة، حيث ذُكر في حينها أنه مُطرب مُسجل خطر، كونه يُثير الشعب المصري والشعوب العربية بأغانيه الوطنية ضد القوات البريطانية ويصفها بأنها قوة مُحتلة، وكان عبد الحليم بالفعل قد أبلى بلاءً حسناً في دفاعه عن وطنه وعروبته في العديد من الأغنيات الوطنية، التي غالبت الأغنيات العاطفية في انتشارها ورواجها، كأغنية «البندقية» و»بركان الغضب» و»اضرب» و»أشجع الرجال» و»فدائي» و»يا بلدنا لا تنامي» و»ذكريات»، والأخيرة رسم فيها الشاعر أحمد شفيق كامل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب صورة غنائية بديعة التكوين، شدا بها العندليب فندد بكل أشكال الاستعمار ورفض التبعية للمُحتل الغاصب، فكان التأثير جلياً وواضحاً، ولم يكترث عبد الحليم بأزمة منعه من السفر لبريطانيا للعلاج، واعتبر ذلك ضريبة مُستحقة لنضاله ونضال بلاده قبل أن يتغير الأمر وتنجح المساعي الدبلوماسية، في شرح القضية والحصول على موافقة السُلطات البريطانية بالسماح له بدخول لندن لتلقي العلاج، واعتُبرت هذه الواقعة نقطة مضيئة في تاريخ المطرب العربي الكبير عبد الحليم حافظ الذي تلون صوته بأجمل آيات الشجن والحب والكفاح الوطني، فقد كان كما وصفة الإذاعي الراحل جلال معوض باراً بوطنه مُخلصاً لقضاياه.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال