تحملت النساء عبئا كبيرا من تداعيات تفشي فيروس "كورونا"، مثل اضطرار عدد هائل منهنّ إلى ترك العمل لرعاية أطفالهنّ، وكبار السن في أسرهنّ، وغيرهم. في "اليوم العالمي للمرأة" هذا العام، تحتلّ النساء الصدارة في مكافحة الوباء بصفتهنّ عاملات في الخطوط الأمامية ومقدمات رعاية، وينبغي إشراكهنّ في الانتعاش الاقتصادي العالمي.
كيف أثّر فيروس كورونا على النساء والفتيات حول العالم؟
ب: كان عاما محبطا لحقوق المرأة. يرى بعض الناس أن هذا غير منطقي لأن عدد وفيات الرجال تخطّى عدد وفيات النساء، لكن التأثير على حياة النساء كان أسوأ بكثير. أُرسل نحو 1.4 مليار طفل إلى المنزل من المدرسة وعدد كبير من دور الحضانة، وكان على أحدهم أن يرعاهم، فوقعت المسؤولية على النساء بأغلبية ساحقة. حتى قبل تفشي الفيروس، كانت أعمال الرعاية المنزلية تقع على عاتق النساء أكثر من الرجال بـ 2.5 أضعاف، وتحمّلت النساء مسؤولية بقاء الأطفال في المنازل، ما أخرج الملايين منهن من القوة العاملة.
أُجبرت النساء بشكل غير متناسب على الخروج من سوق العمل لأنهن يتقاضَيْن أجورا أدنى، ومقارنة بالرجال، احتمال عملهنّ في القطاع غير الرسمي، حيث لا يتمتعن بأمن وظيفي، أعلى. كان العام الماضي كارثة اقتصادية بالنسبة للمرأة. لهذا السبب، تعتقد "الأمم المتحدة" أن الوباء سيلقي 47 مليون امرأة أخرى في براثن الفقر المدقع بحلول سبتمبر/أيلول 2021.
شهدنا أيضا ارتفاعا بارزا في العنف القائم على النوع الاجتماعي المبلّغ عنه في جميع أنحاء العالم، وحرمان النساء من الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية. كما قد يتسبب إغلاق المدارس في ضرر أكبر للفتيات من الفتيان، لأن ترك المدرسة يعرّضهنّ لخطر أشدّ متمثل في زواج القاصرات وأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وقد تجد الفتيات صعوبة أكبر في الدراسة عن بُعد لأنه يُتوقع منهن تقديم الرعاية والاهتمام بالأعمال المنزلية أكثر من الذكور. بالتالي، سنرى على الأرجح عددا أقل من الفتيات يعُدن إلى المدرسة مقارنة بالفتيان، ومزيدا من الضرر طويل الأمد على التحصيل العلمي للفتيات.
ثمة قلق حقيقي من أننا أضعنا عقودا من التقدم.
ك: لم تتأثر جميع النساء بالتساوي. واجهت النساء ذوات البشرة الملونة، ومن الشعوب الأصلية، والأقليات العرقية، وعابرات النوع الاجتماعي، وذوات الإعاقة، أو المهاجرات أو النازحات من ديارهن أكثر من غيرهن العواقب الاقتصادية ومخاطر الإصابة بالمرض بسبب أشكال التمييز المتقاطعة ضدّهنّ.
هيذر، تفضّلتِ بالقول إنّ تفشي فيروس كورونا أعاد حقوق المرأة عقودا إلى الوراء. لكننا أيضا في وضع أفضل مما كنا عليه قبل عقود على صعيد القوانين التي تحمي المرأة. ماذا لدينا الآن مما لم يكن لدينا عندئذ؟
ك: كانت المعاهدة العالمية التي تمنع التمييز ضد المرأة، وهي "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" )سيداو(، جديدة في الثمانينيات. ثمّة معاهدات إقليمية تتعلق بحقوق المرأة، و"بروتوكول مابوتو" في أفريقيا، و"اتفاقية بيليم دو بارا" في الأمريكتين، و"اتفاقية اسطنبول" في أوروبا، وتتناول جميعها العنف القائم على النوع الاجتماعي أو حقوق الإنسان الخاصة بالمرأة. لدينا صكوك تضغط على الحكومات لتمرير تشريعات لحماية المرأة من التمييز في مكان العمل، مثل اتفاقية "منظمة العمل الدولية" الجديدة (رقم 190) بشأن القضاء على العنف والتحرش في مكان العمل. تعطي بلدان عديدة إجازات عائلية مدفوعة، وتزايدت الإجراءات القانونية التي تحمي حقوق ملكية المرأة في الطلاق والإرث.
عدد الفتيات في المدارس أكبر من أي وقت مضى. سددنا الفجوة بين الفتيات والفتيان الملتحقين بالمراحل الابتدائية في معظم البلدان، ونعمل على تحقيق ذلك في المراحل الثانوية أيضا.
يعرف الناس اليوم أن مساواة المرأة تحرّك الأمن الاقتصادي، ما يعني أنّ الخطّ المرجعي لدينا قد تغير. سننطلق من هذه البنية التحتية لمواجهة تداعيات الوباء بعد اندثاره، وهذا مهم.
ب: فضح الوباء عدم المساواة الجندرية بأشكال لم تكُن بارزة من قبل، حتى للنساء. حفّز الناس وأغضبهم، وأعتقد أنه حشد النساء والنسويات من مختلف الأنواع الاجتماعية للمطالبة بإعادة بناء عالم أكثر مساواة للجميع.
توجد الآن قيادات نسائية أكثر من ذي قبل. هل هذا مفيد؟
ب: أحذّر من حجّة أنّ النساء قائدات أفضل. ليس هذا سببا لتكون النساء في مناصب قيادية. ينبغي أن تكون المرأة قائدة لأن ذلك من حقها. ينبغي أن يكون 50% من القادة نساء لأننا نمثل 50% من السكان.
لكني أعتقد أن الوباء كان تجربة مذهلة غير مقصودة قد تزوّدنا ببيانات عن أي القيادتين أفضل في الأزمات، قيادة الذكور أم الإناث. تظهر بعض البيانات أنّ القيادات النسائية تؤدّي عملا أفضل على صعيد قياس طريقة التعامل مع الوباء لناحية إنقاذ الأرواح.
ك: التمثيل مهم، لكن لا يعني ذلك أن تنوع القادة يؤدي دائما إلى أفضل النتائج. التنوع مهم في صنع القرارات، إذ يمكّن الناس من اتخاذ القرارات بناء على تجاربهم المُعاشة وكيفية سير الأمور في مجتمعاتهم.
[تضحك] النساء يغسلن أيديهن. ثمّة بحث حول هذا الموضوع. تتبع النساء إرشادات الصحة العامة بشكل أفضل. ويضعن الكمامات بشكل صحيح، ليس فقط لتغطية الذقن.
صادف 2020 الذكرى السنوية الـ 25 لـ "مؤتمر بكين" - لحظة فارقة في تاريخ حقوق المرأة. ما هو الدور الذي يلعبه هذا المؤتمر العالمي في تعزيز حقوق المرأة؟
ك: كان "بكين 1995" المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي تعقده "الأمم المتحدة". اعتمدت الحكومات خلاله المخطط العالمي الأكثر تقدما على الإطلاق للنهوض بحقوق المرأة. ألقت هيلاري كلينتون، السيدة الأولى الأمريكية آنذاك، خطابا شهيرا قالت فيه إن حقوق المرأة هي حقوق الإنسان. خلقت هذه المنصة إطار عمل للحكومات ولمنظومة الأمم المتحدة لمحاولة بناء مجتمعات أكثر عدلا ومساواة من حيث النوع الاجتماعي.
صادف 2020 الذكرى السنوية الـ 25 لمؤتمر بكين، وكانت هناك خطط لمبادرة "منتدى جيل المساواة" العالمية، للنظر في أوجه النجاح والإخفاق في تنفيذ المنصة ووضع الخطوات التالية. لم يتمكن الناس من الاجتماع شخصيا نظرا للوباء، لكن العملية جارية، وسيعقد الناس اللقاءات عبر الإنترنت في الغالب نهاية هذا الشهر.
ب: دائما ما تُخاض هذه المعارك من أجل حقوق المرأة محليا ووطنيا. لذا، إن المناقشات والمبادرات مثل "بكين 25+" مهمة، لكنّ تأثيرها يتحقّق لدى وصولها إلى المستويَيْن المحلي والوطني. المذهل في الحركة النسائية هو ترابطها المتزايد، وصولا إلى القاعدة الشعبية. تساعد الإنترنت في خلق تضامن بين العاملات في مجال الحقوق الإنجابية في أمريكا اللاتينية وكوريا الجنوبية مثلا. تزدهر هذه الحركة حاليا، وأحد أسباب ذلك هو الوباء الناتج عن فيروس كورونا. سيكون عاما مثيرا للاهتمام.
ك: أشعر أنّ النسويات في بكين شكّلن شبكة متضافرة، ومن المهم أن يعيش جيل آخر من النسويات هذه التجربة. بفضل الإنترنت الآن، يمكن تطوير ذلك افتراضيا.
ب: بالضبط. ليس ضروري أن تكون هذه المساحة مؤتمرا دوليا، إنّما على الإنترنت، وقد تكون أقل تلويثا، وأكثر شعبية وشمولا واستدامة بعدم اقتصارها على مكان واحد.
عملتِ في هذه المساحة لفترة طويلة. ماذا كانت أكبر مفاجأة لك هذا العام؟
هـ: دُهشت من أن الحوامل واجهن مثل هذه الفوضى في الحصول على اللقاحات، بحيث منعت بعض الدول تلقيحهن أو أعطتهن نصائح متغيرة ومتناقضة. لم أكن أتوقع ذلك. أعتقد أيضا أننا بحاجة إلى الحرص على أنّ الجهود التي قد تهدف إلى "حماية" الحوامل، مثل استبعادهن من التجارب السريرية، لا تعرضهن إلى خطر أكبر في نهاية المطاف.
ك: أشاطرك الرأي.
إباحة الإجهاض في الأرجنتين أمر مهمّ جدّا. لدى أمريكا اللاتينية بعض أكثر قوانين الإجهاض تقييدا في العالم، لذا نجاح حركة نسائية هناك هو إنجاز عظيم.
ب: فاجأني تنصيب كامالا هاريس (نائبةً لرئيس الولايات المتحدة).
ك: فوجئتُ بمدى اندهاش قادة العالم في السياسة، والاقتصاد، والصحة العامة من تأثير الوباء على النساء. تبيّن عدم تقدير خدمات تقديم الرعاية غير مدفوعة الأجر وعدم بروزها في الواجهة.
ب: أوافقك الرأي. سواء في الاقتصاد الكلي أو داخل الأسرة، لدى الأشخاص الذين لا يقدّمون ما يُذكر من الرعاية، وهم غالبا من الرجال، قدرة على الإنكار أقوى مما كنا نعتقد.
ك: فوجئت أيضا بعدد الحكومات التي لم تستثمر في الأطفال والتعليم للحفاظ على صحة الناس وسلامة الأطفال وتعلمهم.
ب: بالضبط. في منطقة سكني، أغلقت المدارس أبوابها في مارس/آذار، وأعيد فتحها لثلاثة أسابيع في أكتوبر/تشرين الأول، ومن جديد قبل بضعة أسابيع. في غضون ذلك، لم تغلق المطاعم ومراكز التسوق قط، وبقيت المساجد مفتوحة – أُغلقت المدارس فقط. في كثير من البلدان التي أغلقت المدارس أولا، لم تُعطَ كيفية استمرار تشغيل المدارس بما يحافظ على سلامة الأطفال والموظفين ما يكفي من الاهتمام الملحّ أو التفكير المنطقي. برأيي، يستخفّ ذلك بأهمية التعليم وعمل المرأة، ويستخف بحقيقة أن عدم التحاق الأطفال بالمدارس سيدمر دون شكّ قدرة العديد من النساء على مزاولة عمل مدفوع الأجر.
ثمة مسائل كثيرة، كنّا نشهدها حتى قبل تفشي فيروس كورونا، تشكل عوائق للنساء. ما الذي يمكننا فعله لمعالجتها والنهوض بمجتمع يدعم المرأة؟
ب. علينا أن نعالج الواقع بأنّ بعض نواحي الاقتصاد تستغل العمل متدني الأجر أو غير مدفوع الأجر لمَن يعتنون بالأطفال، والمرضى، والأقرباء الأكبر سنا، وبأنّ النساء هنّ تقريبا على الدوام مَن يؤدي هذا العمل. عالميا، علينا إيجاد طريقة لتقاسم هذا العمل بتساوٍ أكبر ومكافأته بأجر.
يجب ألا تكلّف رعاية الأطفال أكثر مما يكسبه بعض الأشخاص في وظائف متدنية الأجر شهريا، ما يجعل المدوامة في العمل مستحيلة. ينبغي أن يحصل الأشخاص الذين يحتاجون إلى الدعم على هذه الرعاية، وفي جميع أنحاء العالم، علينا أن ندفع لمقدّمي الرعاية أجورا تكفي لمعيشتهم، وأن نحترمهم ونقدّرهم.
ك: علينا أيضا إيجاد طريقة لسد الفجوة الرقمية المتزايدة بين النساء والرجال في الوصول إلى الإنترنت لأنّها ستضرّ بالنساء بشكل متزايد، وبالفتيات اللواتي يسعين إلى الدراسة في ظلّ الوباء.
ب. يمكنك ملاحظة هذه الفجوة الرقمية بوضوح بالنظر إلى ملكية الهواتف الذكية. عندما يكون استخدام الإنترنت في متناول عائلة ما إنّما عليها تشارك الأجهزة بين أفرادها، كما هو الحال غالبا في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، غالبا ما يسيطر على الأجهزة الرجالُ والفتيانُ، وليس النساء والفتيات.
مع استمرار ارتفاع عدد العاملين من المنزل بعد الوباء، ستكتسب هذه الفجوة أهمية أكثر من أي وقت مضى. يضطر الكثير من الأشخاص بالفعل لاستخدام الإنترنت للتقدم للوظائف، ودفع فواتير الإيجار والخدمات، والاستفادة من الحماية الاجتماعية، وشراء تذاكر سفر، والتسجّل للحصول على لقاح فيروس كورونا. سرّع الوباء تحوّل جميع الأنشطة إلى الإنترنت.
يمسّ هذا أيضا 47 مليون امرأة أخرى قد يقعن في براثن الفقر المدقع بسبب الوباء، وقد لا يتمكنّ من شراء هاتف ذكي أو تحمّل كلفة الاشتراك.
ك: ستصعب إعادة النساء إلى العمل بعد ذلك. نظرا لتدنّي عدد الوظائف وارتفاع نسبة النساء اللواتي فقدن عملهنّ، سيتوسّع نفوذ المسؤولين. عندما تكون النساء في حاجة ماسة إلى العمل المأجور، وسط قلة الوظائف، قد تنخفض الأجور، ويزداد التحرش والاستغلال الجنسيان - ما لم تحرص الحكومات والشركات على عدم حصول ذلك.
ب: لكن، كيف نفعل ذلك؟ كيف نجد سبيلنا للخروج من هذا الوباء مع الإصرار على فكرة "النهوض بشكل أفضل؟" لهذا السبب، كنت أفكر كثيرا في سبب تعبئة الناس هذا العام والتحاق أناس جدد بالحركة النسوية – وليسوا جميعهم من النساء. ستضع الحكومات خططا للتعافي، وإمّا أن نشارك في وضعها أو نقتحم اجتماعاتهم بالقوة، في كل قرية ومدينة وعاصمة، فنقول: "انظروا ما حدث لنا لأنكم سمحتم بذلك. لن نسمح بذلك مرة أخرى".
هل من دول نجحت في هذا المسار؟
ب: لم نرَ بعد حكومات تطلق رسميا خططا للتعافي. آمل أن نكون سبّاقين من هذه الناحية. لكنني سأتابع الوضع عن كثب للتحقّق من وجود نماذج جيدة من بلدان بقيادة نسائية كانت تجربتها ناجحة خلال الوباء، مثل نيوزيلندا، وتايوان، وألمانيا، والعديد من بلدان الشمال الأوروبي. آمل أن تكون بعض تلك القيادات تنقل منظورها عن مراعاة النوع الاجتماعي إلى المرحلة التالية.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال