الحكم العسكري هو أسوا ما تصاب به أمة، وخصوصا إذا كان يلقى الرعاية والدعم والحماية من خارج الحدود الوطنية، وواقع الأمر هو أن نظاما، دولة كان أم حزبا أم جماعة، يستند إلى مرجعية لا يمكن مراقبتها ناهيك من محاسبتها، وسواء كانت تلك المرجعية قيادات عسكرية أو دينية أو إيديولوجية، هو أجرامي لا أخلاقي يمثل اعتداء على الإنسانية.
والحديث عن المخابرات يحتاج وقفة موضوعية، خصوصا بعد أن “وَلغ” فيما يتعلق بها كل من هب ودبّ، ولمجرد أن بعض قياداتها، عندنا وعند الآخرين، أساءت التصرف في مراحل معينة، بل وأجرمت، فأساءت لسمعة الجهاز بأكمله.
جهاز الأمن بالنسبة لأي دولة هو كجهاز المناعة وكالكلى وكالرئتين بالنسبة لأي مخلوق، مهمتها الدفاع ضد الغزو الجرثومي وتنقية الجسم من السموم التي تهدد حياته، والمهم هو أن تكون قادرة على تحمل مسؤولياتها ولا تتحول هي نفسها إلى أخطر من العدوّ المحتمل، ومن هنا شُبّهتْ بعض قيادات الأمن بالسرطان، وهو مرضٌ عناصرُه خلايا كانت تقوم بدورها المنسجم مع بقية خلايا الجسم، لكنها، في لحظة ما، ولسبب ما، خرجت عن سلطة النظام الذي يُسيّر حياة الإنسان، وأقامت لنفسها وجودا شيطانيا راح ينثر خلاياه المدمرة في كل أنسجة الجسم، فتمتص طاقته وتروح تعيش لنفسها على حساب حياته، ولا تخضع، كبقية خلايا الجسم، لسلطة المخ ولتوجيهات الغدد وتعليمات الحوامض الأمينية، أي تصبح جسما داخل الجسم يعمل لنفسه، على غرار تعبير: دولة داخل الدولة.
من هنا فإن التنديد بحكم العسكر يجب ألا يُخفي الغابة التي يمثلها الجيش وراء الشجرة متشابكة الأغصان التي تمثلها أجهزة المخابرات، ويكون من نتيجة هذا أن الكفاح المشروع ضد الثورة المضادة يحدث هة بين الشعب وجيشه، ويفقدنا تضامن أبنائنا وإخوتنا داخل القوات المسلحة، ويضيع منا أنصارا في كل الأقطار لهم فعاليتهم في مواجهة الردّة الوطنية، ونصبح كالدب الذي حاول إنقاذ صاحبه النائم من ذبابة حطت على وجهه فيلقى عليه حجرا.
وكنت تناولت هذا الأمر أكثر من مرة، وقلت بأن دور القوات المسلحة هو حماية الوطن لا إدارة شؤونه، لكن تجريمها الآلي هو في نظري انزلاق شعبوي ينال من الهدف الذي يعمل له الوطنين، حيث أن المجرم الأول هو جماعة المخابرات التي فشلت في أداء أهم مهامها، فاتخذت من القوات المسلحة عصا ترهب بها من يقف في وجه أطماعها السلطوية، وتحولت إلى كيان سرطاني مُدمّر، أهلك كل ما وصلت إليه خلاياه، وهكذا تكون أول مهام الوطنيين حرمان أجهزة المخابرات من تعاطف أبناء القوات المسلحة بكل طريقة ممكنة، وعلى أقل تقدير، تفادي التعميم عند التنديد.
وعلينا ألا ننسى أن أجهزة ما، دورها هو مجرد الرقابة والإبلاغ، إذا أصبحت هي صاحبة الرأي الأول والأخير في تعيين إطارات الدولة ومسؤوليها في مختلف المستويات والممسكة الرئيسية بالقرارات المصيرية في كل المجالات فإن المنتسبين لها، أيا كان مستواهم القيادي، يصبحون قِبلة الولاء الوظيفي، طمعا أو خوفا، لأن من يرضون عنه مُرشحٌ لِمجدِ المسؤوليات العليا ومكاسبها، مع ضمان الحماية من الخصوم والمنافسين، ومن ينفرون منه ينتهي وجوده في المجال الوظيفي المؤثر، وهكذا يتحول الجهاز الدفاعي إلى عدوّ حقيقي.
وهنا يجب أن نتذكر ما عاناه العالم الثالث، عندما كان المستعمر يترك في البلدان التي ينسحب منها قوات عسكرية من أهل البلد نفسه، تضمن له مصالحه، وأهمها وجود قيادات محلية تأتمر بأمره وتلتزم بإرادته.
كان هذا على وجه المثال هو الحال في الدول التي انسحبت منها فرنسا في 1960 ومنها بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو، والكاميرون، وتشاد، والكونغو- برازفيل، ومدغشقر، وموريتانيا، والغابون وجمهورية إفريقيا الوسطى.، والتي عرفت أصابع مستشار دوغول الإفريقي “جاك فوكار”، الذي بسط يده على بلدان منحتها فرنسا الاستقلال لتتفرغ لسحق ثورة الجزائر.
وهنا يفهم البعض لماذا تمثل الجزائر ومؤسستها العسكرية وضعا مختلفا، وهو أمر يغيب عن أذهان الكثيرين، من جهة لفشلنا في التعريف بأوضاعنا، ومن جهة أخرى لأننا لم ندرك في الوقت المناسب خطورة من أسميتهم يوما “الطلقاء”.
ولكي نفهم وضعية المؤسسة العسكرية في الجزائر لا بد من الاعتراف بأنها ليست كوضعية بعض البلدان التي “حُكِم” عليها بالاستقلال، ويروي لي عبد الباري عطوان قصة حاكم عربي كان منزعجا عندما أبلغ بأن القوات الأجنبية المحتلة ستغادر بلاده إلى غير رجعة.
ولن أستعرض التاريخ الثوري الطويل الذي يبدو لنا أن البعض، هنا أو هنك، أصبح ينفر من مجرد الإشارة له، ويكفي أن أقول إن النضال الجزائري فرض وجود وطنيين يلبس بعضهم الزي العسكري ويلبس الآخرون الزيّ المدني، وقد تفرض طبيعة النضال تبادل الأزياء، وبالتالي تبادل المهام، وهكذا ارتدي كريم بلقاسم البدلة المدنية، وارتدى عبان رمضان الزي العسكري، رحم الله الشهداء
وهنا نفهم فشل الشعار الذي ارتفع في منتصف الخمسينيات مناديا بأن تكون القيادة للداخل لا للخارج، وللسياسيين لا للعسكريين، وهو ما أسقطه مؤتمر الجبهة، الذي عُقد عام 1957 في القاهرة لصعوبة عقده كسابقه في الأرض المحتلة.
ورأى كثيرون في الشعار تناقضا مع متطلبات العمل الثوري، حيث لم يواجه شارل دوغول مثلا الغزو النازي داخل الأرض الفرنسية، ولم يُعزل المارشال تيتو من قيادة المقاومة لمجرد أنه عسكري، بل إن هناك من رأى في الشعار، وببعض المبالغة الإنسانية، أنه يهدف إلى التخلص من بعض الزعامات التاريخية التي كانت ما تزال على قيد الحياة، وفي مقدمتها أحمد بن بله وعلي مهساس وربما العسكريين كريم وبو صوف وبن طوبال ، بل إن هناك من تطرف إلى حد الادعاء بأن اختطاف الفرنسيين لطائرة الزعماء الأربعة في 1956 كان يندرج في هذا السياق.
هنا نفهم لماذا كانت قيادة جيش التحرير الجزائري تتابع الأحداث بقلق شديد، فالاستقلال الجزائري أصبح على الأبواب بعد كفاح دموي طويل، وذئاب فوكار ورجال دوغول وعناصر القوة الثالثة من الطلقاء تستعد لوراثة المستعمر، ومن هنا كان خلاف العقيد بو مدين العميق مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، التي كانت تريد عرقلة قوات الجيش المنظمة والمنضبطة والمرابطة على الحدود من مغادرة الخطوط الخلفية والدخول إلى كل المناطق الجزائرية، حيث كانت فرنسا تستعد لتكرار ما حاول فرانكلين روزفلت القيام في فرنسا إثر تحريرها من الوجود النازي، أي إقامة مؤسسات إدارية لا تخضع لدوغول.
وعُرِف أن هناك اتجاها لتسريح عناصر جيش التحرير بشكل شبه كلّيّ ليتم تكوين جيش “جزائري” جديد من قوات جمعتها فرنسا من العاطلين وعناصر “الحركى” وغيرهم ممن كانوا ظهيرا للاستعمار، وحملت اسم “القوات المحلية” ( FORCES LOCALES) والتي سيكون ولاؤها بالطبع لمن ترضى عنه فرنسا، تماما كوضعية جنود موبوتو وعساكر أهيجو وأحيانا عمادة مسجد باريس.
وكان هذا هو أهم نقاط الخلاف بين قيادة جيش التحرير وقيادة الحكومة المؤقتة، التي كانت في واقع الأمر سفارة كبرى قامت بأعمال مجيدة، لكن قيادتها تصورت في لحظة ما أن من حقها أن تكون قيادة للثورة، وكانت هذه نقطة الخلاف الثانية.
والقول بأن ذلك كان خلافا بين العسكريين والمدنيين كان أمرا لا يخلو كثيرا من الجهل بالواقع، لكيلا أعتبره نوعا من سوء النية، حيث أنه، وبالرغم من أن رئيس الحكومة بن يوسف بن خدة كان مناضلا وطنيا لم يعرف الحياة العسكرية، فإن القوة المسيرة للحكومة المؤقتة كانت العقداء العظماء الذي عُرفوا بثلاثي الباء (بلقاسم –بو صوف – بن طوبال).
وعندما انفرط عقد المجلس الوطني في مؤتمر طرابلس عام 1962، وبعد أن تعرض أحمد بن بله للإهانة على لسان أحد الضباط، فرت الحكومة المؤقتة عائدة إلى تونس، ويبدأ كل طرف في نثر ما في كنانته وعجم عيدانها.
في تلك المرحلة كان قائد الأركان العقيد هواري بو مدين يأمل في أن تخرج الجزائر إلى مرحلة الاستقلال بقيادة متكاملة، تجمع بين العمق التاريخي والكفاح الميداني، فكلف سكرتيره عبد العزيز بو تفليقة بالاتصال بواحد من أول ثلاثة خطوا الخطوات الأولى نحو إشعال فتيل الثورة، وهو الشهيد محمد بو ضياف، الذي كان سجينا في قلعة “أولينوا” مع زملائه الأربعة، ليبلغه بأنه يضع نفسه وقواته تحت تصرفه لكي يتحمل مسؤولية قيادة انطلاقة الاستقلال، لكن بو ضياف رفض العرض خوفا، كما قيل يومها، من أن يكون مجرد أداة في يد الجيش (وللعلم، كانت كلمة العسكر تطلق على جنود الجيش الفرنسي ويعتبر من باب الإهانة استعمالها مع عناصر الجيش الجزائري).
وكان ذلك الموقف أكبر أخطاء الشهيد، حيث كان المفروض أن يتشاور مع رفاقه ويفرض شروطه على القيادة العسكرية، لكنه رفض ما قبِله بعد ذلك في 1992، وانتهى به الأمر إلى الاغتيال المأساوي في عنابة بعد نحو ستة شهور، عندما حاول أن يخوض صراعا لم يعدْ مؤهلا له، لأن موازين القوى كانت في غير صالحه.
لكن أحمد بن بله قبل العرض، لأنه أدرك أن التحالف الاستراتيجي بينه وبين قوات جيش التحرير الوطني هي الطريق الطبيعي نحو مرحلة الاستقلال، ليتكامل السياسي والعسكري، لكن هذا لم يرضِ قيادات وطنية أخرى كانت لها أهداف أخرى، وارتفعت آنذاك وللمرة الأولى صرخات خافتة تندد بالانقلاب الذي قام به الجيش على الحكومة المدنية، والتي لم تكن مدنية في مضمونها وإن كانت كذلك بحكم رئاستها الصورية.
وكان واضحا يومها أن التناقض الحقيقي هو مع توجه الجزائر العربي الإسلامي، الذي أكدته صرخة الرئيس بن بله في تونس ..نحن عرب …نحن عرب ..نحن عرب.
وأقفز بسرعة إلى التسعينيات، عندما انتصر التيار الإسلامي في تشريعيات1991، حيث سُيّرتْ تظاهرات في العاصمة قيل أنه استقدمت لها جموع كثيرة من مناطق مجاورة، زجرى ذلك تحت لواء لجنة “إنقاذ” الجزائر، التي كان البعض يسميها لجنة “أنقاض” الجزائر، وكانت ترفع شعار: “لا لدولة بوليسية (وليس…لا لدولة عسكرية) ولا لدولة أصولية (وهو ما أعطي بعض الجنرالات مبرر إلغاء الدور الثاني من الانتخابات بعمل انقلابي متناقض مع دستور البلاد، ولمصلحة حكم عسكري فعليّ بواجهة مدنية زائفة، قيل يومها أن ما حدث تلقى المباركة من الرئيس الفرنسي فرانسوا متران)
وتم يومها استبعاد الجبهات الثلاث التي انتزعت أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (الإنقاذ والتحرير والاشتراكية) وكونت تجمعات هجينة من جمعيات المجتمع المدني والأحزاب الهزيلة، كانت مجرد قفازات في السلطة الفعلية للمؤسسة العسكرية المختطفة، وتعرف البلاد العشرية الحمراء.
وتمر السنوات، وتتحقق المصالحة الوطنية، ثم يتواصل النضال وتستعيد الأمة مؤسستها العسكرية بفضل تصفيات ربانية وإدارية، ويلتزم الجيش بواجباته الدستورية، ويقوم الشعب بانتفاضته في حماية قوات أمنه الملتزمة بالدستور، وتجهض الانحرافات اللادستورية وتبدأ الدولة في تطهير الساحة من الفساد المالي والسياسي، لكن ذنب الأفعى لم يكن قطع بعد، فتعود ريمة إلى عادتها،0 “الرذيلة” ولكن اكتشف الشعب كان قد عرف حقيقة الأمور، ومن هنا كان تقديره للفريق أحمد قايد صالح في جنازته.
وليس غريبا أن بعض قيادات تلك التجمعات التي فقدت نصيرها الأمني، ولكن توجهاتها احترمت التزاما مع الديموقراطية فلم تتعرض لأي قمع أو إقصاء سياسي، تدفع اليوم نحو التظاهرات التي ترفع شعار “حكومة مدنية لا عسكرية”، والمخضرمون في الوطن العربي يذكرون المظاهرات التي نظمها نقيب العمال المصريين في منتصف الخمسينيات لإجهاض التوجه الشعبي نحو الديموقراطية، وقيل يومها أن “الصاوي” تلقى من المخابرات المصرية مبلغ خمسة آلاف جنيه لتنظيمها.
لكن الغريب هو هتاف البعض مطالبين بالاستقلال، وواضح أن وراء ذلك نفس التوجهات التي هُمّشت في صراع 1962، حيث كانت يومها، وما زالت، أقلية لها رأيها واجب الاحترام ولكنها لم تنجح في إقناع الجماهير بصواب منطقها، ومن بين عناصرها من قام بالتمرد ضد حكومة الرئيس بن بله في 1963، متزامنا مع الغزو المغربي للحدود الجزائرية، وقيل يومها ولعله ما زال يقينا ثابتا إن بذرة التمرد كانت كامنة في بعض النفوس منذ الأزمة البربرية في 1949.
وهنا نفهم سر استعمال الرئيس الجزائري لتعبير الحراك المبارك “الأصيل”، تمييزا له عن الحراك الذي انفض عنه الشعب في معظم ولايات الوطن، والذي فقد أصالته لأنه تناقض مع التوجع العام للجماهير في أكبر البلدان الإفريقية.
وهنا أيضا نفهم أن هتاف “الاستقلال ” الذي يرفعه البعض يفضح الخلفيات المريضة، ويندرج في منطق من يدّعون بأن الجزائر لم تعرف الاستقلال بعد، لأنهم خسروا صراع 1962، وما زالوا يواصلون محاولة افتعال شرعية لما حدث من تمرد بعد ذلك.
وعندما نسمع من البعض تعبير …الرئيس “المُعيّن” …نفهم على الفور أن وراء هذا من لا يزالون يعملون من أجل مرحلة انتقالية، كتلك التي استفادوا في ظلها ابتداء من 1992، وهم لا يعترفون برئاسته لكنهم يطالبونه بإنجاز كذا وكذا (وللعلم، ولتفادي أي جدل، أؤكد أنني لم التق الرئيس تبون، ولم أتبادل معه كلمة واحدة منذ سنوات طويلة).
لكن الأمور تزداد وضوحا عندما تعلن الجزائر اليوم وبكل حزم رفضها لأي تطبيع مع الكيان الصهيوني، ويرتبط هذا بالحملة الإعلامية الممنهجة والشرسة التي يشنها علينا بعض الجوار لأننا استنكرنا إهانة الشعب المغربي الشقيق بهدية ترامب المسمومة التي قايضت ما لا يُقايض.
ولا شك أن المواطن الجزائري مصاب بخيبة أمل كبيرة نتيجة لما يتصور أنه تراخ في الأداء الحكومي، ولما يعانيه من تداعيات الكورونا، وما يقاسيه من ارتفاع في الأسعار، وما يرى أنه تدليل من الرئيس لخصوم منهم اليوم من يتشفى فيمن وقفوا إلى جانبه ودعموه، لكن المثير للسخرية هو أن بعض الأشقاء ممن يعانون من جرائم الحكم العسكري في بلادهم يتضامنون مع أصوات لا يعرفون أن حقيقتها تتناقض تماما مع كل ما يناضلون من أجله.
وكثير من العناصر المتشنجة في بعض شوارع الجزائر تقف أساسا ضد عروبة الجزائر وإسلامها وتوجهها الديموقراطي الهادئ، وتطرح أراء تدعي بأن الخضوع لرأي الأغلبية هو دكتاتورية مرفوضة، وكأن المطلوب هو الخضوع لإرادة الأقلية، في حين ندعو لتفهمها والاستجابة لمطالبها التي لا تتناقض مع توجه الأغلبية.
ومن المتظاهرين اليوم من لجأوا بالأمس إلى التصرفات الفاشية عندما فشلوا في إقناع الجماهير بالخروج عن الدستور واعتماد فترة انتقالية لا شرعية، فحاولوا الاعتداء على مواطنين كانوا يؤدون واجبهم الانتخابي، بل وبنيت أسوار لسدّ مداخل المراكز الانتخابية، وكل هذا ثابت بالصوت والصورة.
وربما كان خطؤنا الرئيس هو أننا لم نقل منذ الأيام الأولى إن هناك توجهات جهوية إيديولوجية تقف في مواجهة الاختيارات الوطنية السياسية، وكان ذلك حرصا منا على حماية الوحدة الوطنية، وقبلنا التعايش مع جماعات ” التأييد الناقد” ( soutien critique) التي تستفيد من الإنجاز وتلعن من ينجزه، وتقف اليوم ضد إرادة الأغلبية الشعبية منتهزة قدرتها على تجنيد عمال بعض القطاعات، وخصوصا تلك التي يوجد مسؤولوها في السجون بتهم الفساد، إلى جانب مناضلي بعض الأحزاب التي لم تحقق أي إجماع وطني ذي قيمة، وشباب بعض التجمعات الرياضية “الأتراس”، ومستفيدة من عدم إغلاق مداخل العاصمة بشكل كلي يمنع من استيراد متظاهرين من ولايات مجاورة، في حين أن الأغلبية، كأي أغلبية ، تتفادى، حتى اليوم، اللجوء إلى الصراع العنيف.
وياويلنا من يوم ينفجرُ فيه غضب الحليم.
ومعذرة على الإطالة رغم جهد كبير في محاولة الاختصار.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال