العداء لمحور المقاومة ومحاولة القضاء عليه كان ولا يزال الشغل الشاغل لواشنطن وتل أبيب وحلفائهما، منذ إعلان انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 وإلى الآن بعد مرور 42 عاماً على إنتصار الثورة التي وضعت نصرة القضية الفلسطينية واجتثاث الكيان الصهيوني من الأراضي المحتلة غاية رئيسية وهدف أسمى لها.
(سلاح الأعداء الجديد…البقاء مع المقاومة وتحمّل التبعات أو التخلي عنها وتجنب الملاحقات)
أما الآن فقد بدأ الأعداء سيناريو جديد يتصف بالعلنية في التعامل مع قادة محور المقاومة مفاده أن البقاء بأمان والعيش بسلام والترفع والترقي في المراكز والمناصب والقيادات يستلزم التخلي عن دعم ومساندة محور المقاومة والإنخراط فيه، وإلاّ فإن التصميم على التمسك بذلك المحور سيكون السبب في تعرضهم للملاحقة والتجسس والعقوبات وحتى محاولات الإقصاء أو الإغتيال، وأنهم سيتحملون وحدهم مسؤولية كل فعل وتصرف يستهدف الأعداء أو يؤرق أمنهم.
وكمثال على ذلك نأخذ المشهد العراقي وتطورات الأوضاع فيه، ونبدأ من تبعات هجوم أربيل الأخير الذي وقع في الخامس عشر من الشهر الحالي واستهدف قاعدة للتحالف الأمريكي قرب مطار أربيل الدولي دون أن يتسبب بوقوع خسائر بشرية أو مادية كبيرة.
ففي الوقت الذي توجّه فيه الولايات المتحدة الأمريكية أصابع الإتهام نحو فصائل الحشد الشعبي وتحديداً “عصائب أهل الحق” بتنفيذ الهجوم الأخير، يخرج الصحافي الأمريكي “مايكل نايتس” المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج والمقرّب من دوائر صنع القرار في واشنطن، ويطرح في مقال نشرته صحيفة “بوليتيكو” وأعاد نشره “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، وجهة نظره حيال الرد المناسب الذي يجب على إدارة بايدن الأخذ به للحد من الهجمات التي تطال الأمريكيين في العراق، إذ يقول : “إذا أرادت الولايات المتحدة استعادة قوة الردع، عليها البحث عن خيارات كفيلة بزعزعة ثقة قيادة «عصائب أهل الحق»، على غرار (اصطدام وشيك) بطائرة مسيّرة أو هجوم سري على موقع قريب من مكان تواجد رئيسها، قيس الخزعلي، أو اختراق واضح لاتصالاته الشخصية وأمن حاسوبه” بالتعاون مع الإستخبارات العراقية.
أي أن الولايات المتحدة تحاول توجيه رسالة ليس فقط إلى “قيس الخزعلي” بل إلى كافة قادة محور المقاومة وزعمائها، مفادها بأن السير على النهج المقاوم والوقوف في الصف الإيراني سيضعهم في موقفٍ خَطِر وقد يجعل مصيرهم لا يختلف كثيراً عن مصير الإغتيال الذي رُسِمَ لسليماني والمهندس وغيرهم، خاصةً مع التلميح إلى الدور الذي ستضطلع الإستخبارات العراقية (المتهمة أساساً من قبل “كتائب حزب الله العراق” بالتورط في جريمة اغتيال سليماني والمهندس) في المساعدة على الوصول لهم من بوابة “مقتضيات التحقيقات” التي تجري الآن بالتعاون بين بغداد وواشنطن لمعرفة المسؤولين عن الهجمات على المواقع الأمريكية في العراق.
وبالتالي فإن تهديد قادة المقاومة بالملاحقة الإستخبارية بل والتلميح إلى إمكانية اغتيالهم أيضاً ما هو إلا شكل من أشكال الإرهاب النفسي الذي يحاول الأعداء ممارسته على القادة البارزين لفصائل المقاومة لدفعهم أما للإنسحاب من ذلك المحور خشية الإنتقام والقتل أو على الأقل إرباك تحركاتهم وتقييد أنشطتهم وممارسة الضغط النفسي عليهم في محاولة للتأثير على قدرات وقوة محور المقاومة التي طالما زلزلت الأعداء وأرعبتهم.
وإلى جانب التهديد العلني بالقتل فإن التهديد بفرض عقوبات والإقصاء من المنصب هو أيضاً أحد أشكال الحرب الجديدة التي يخوضها الأعداء ضد قادة محور المقاومة أو المدافعين عنها، ومثال على ذلك نستشهد بما قاله “معهد واشنطن” عقب فرض عقوبات “ماغنيتسكي” على رئيس هيئة الحشد الشعبي “فالح الفياض” :
“إن الهدف الأساسي من إدراج الفياض على القائمة السوداء ليس لتغيير سلوكه، بل الإظهار للسياسيين العراقيين الآخرين وقادة قوات الأمن أن هناك تكلفة لدعم انتهاكات حقوق الإنسان والفساد الشبيه بالمافيا على أعلى مستويات الدولة”.
ويضيف المعهد أنه “ينبغي على واشنطن أن تواصل الضغط بشكل خاص على الحكومة العراقية لإبعاد منتهكي حقوق الإنسان من قيادة «قوات الحشد الشعبي»…… واستبدالهم بقادة مدعومين من آية الله العظمى علي السيستاني والمؤسسة الدينية الشيعية. ويمكن أن تؤدي المساع الأمريكية الغير علنية وراء الكواليس إلى زيادة الضغط من أجل إجراء مثل هذه التغييرات في قيادة «قوات الحشد الشعبي»”.
وفي لبنان أيضاً فإن حملات الإنتقادات والإتهامات التي تنهال اليوم على المسؤولين اللبنانيين المدافعين عن “حزب الله” أمثال رئيس التيار الوطني الحر “جبران باسيل” الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه بسبب “علاقاته مع حزب الله”، وكذلك محاولات إقصائهم من السلطة ومنع كل من يتعاطف مع “حزب الله” من لعب أي دور سياسي في المستقبل، كلها تندرج أيضاً تحت هذا العنوان “أما أن تكون معادي للمقاومة أو لا تكون أصلاً”
( التنصت الإستخباري…أسلوب جديد لتقطيع أوصال محور المقاومة)
واستكمالاً للحملات والمحاولات الصهيو_أمريكية المستمرة لقطع سبل التواصل وأواصر الترابط بين دول محور المقاومة (إيران_العراق_سورية_لبنان_فلسطين) جغرافياً عبر نشر عناصر تنظيم داعش في مناطق الحدود العراقية_السورية والمطالبة بنشر قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة على طول الحدود السورية_اللبنانية، تأتي المساعي الأمريكي لفرض الرقابة الإستخبارية وممارسة التنصت على هواتف واتصالات قادة هيئة الحشد الشعبي في العراق بذريعة “التحقيقات” في هذا الإطار أيضًا بهدف تقليل فرص التواصل والتعاون والتنسيق بين أطراف محور المقاومة.
ولعل التغييرات الأخيرة التي أجرتها حكومة الكاظمي على مؤسسة الإستخبارات وشملت استبدال رئيس الإستخبارات ومدير عام الإستخبارات، تأتي في سبيل تحقيق هذا الهدف وليس أدل على ذلك من ما قاله “مايكل نايتس” في هذا الصدد حول أن التعديلات الكبيرة في الإستخبارات والجيش ستساعد على ” تنسيق العديد من الوظائف الاستخباراتية الحيوية لعمليات مكافحة الإرهاب” ما بين العراق والمجتمع الدولي خاصةً “مع هجمات الميليشيات على الحكومة والشركاء الأمنيين الدوليين”.
إذاً تحديات كبيرة يواجهها محور المقاومة اليوم على أكثر من جبهة وفي مختلف الأصعدة، ولكن في كل مرة يشتد فيها الخناق على المقاومة تستطيع أن تثبت للعالم أجمع أن كل التجارب والمؤامرات لا تزيدها إلاّ عزماً وإصراراً على إكمال مسيرة الشهداء والثبات على نهج مقاومة الأعداء.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال