بعد عام على ظهور فيروس كورونا المستجدّ لا تزال الأسباب الحقيقية لانتشاره مجهولة. وإذا كانت منظمة الصحة العالمية رأت أن الفيروس حيواني المصدر أي أنه ينتقل للإنسان من مخالطة الحيوانات المصابة به، فإن البعض يعتقد أن الفيروس تم تطويره في المختبرات.
تساعد الأبحاث التي تجرى على الفيروسات في تطوير اللقاحات والعلاجات وفهم تطور المرض، ولكن في بعض الحالات تسير الأمور على عكس ذلك وتتحول الفيروسات إلى مرض قاتل. في العام 2002 صرّح عالم الفيروسات إيكارد ويمر من جامعة ستوني بروك في ولاية نيويورك أنه وفريقه تمكنوا من صنع فيروس شلل الأطفال عبر موارد بسيطة وإمكانيات متوفرة ومعلومات استخرجها من الإنترنت. وعلى الرغم من وجود لقاح لهذا الفيروس، إلا أن لجنة الطوارئ الصحية التابعة لمنظمة الصحة العالمية أعلنت العام الفائت أن تهديد فيروس شلل الأطفال لا يزال يمثل “حالة طوارئ دولية.” وأشارت إلى أن الظهور السريع لسلالات النمط 2 من الفيروس في العديد من البلدان هو “أمر غير مسبوق ومقلق للغاية، ولم يتم فهمه بشكل كامل حتى الآن.” إن تصنيع الفيروسات في المختبرات يثير نقطتين الأولى إحتمال تطاير الفيروس من المختبر إذا كان من النوع الذي ينتقل عبر الهواء، والثانية تتعلق بسهولة الحصول على المواد لتصنيعه كما حصل مع العالم إيكارد ويمر مما يسهل على التنظيمات الإرهابية تصنيع الفيروسات واستخدامها كسلاح بيولوجي.
لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة زيادة في مختبرات الأبحاث البيولوجية؛ فمثلاً حتى عام 2018 تم تحديد 14 مختبراً في مشروع بحثي يهدف إلى إنشاء فيروسات حية منقولة عن طريق الثدييات ومسببة للإصابة بأنفلونزا الطيور. ويمكن لهذه الفيروسات أن تنتقل عبر الهواء، على غرار الإنفلونزا البشرية الموسمية. هذه الزيادة في مراكز الابحاث والمخاطر التي يمكن أن تنجم عنها استدعت دق ناقوس الخطر من قبل العلماء، والدعوات إلى مراقبة هذه المختبرات. فقد أعلن العالم الأميركي ماثيو ميسلسون، الأستاذ في جامعة هارفرد، والذي ساعد في وضع حظر دولي على الحرب البيولوجية، عن خشيته من “أن تؤدي التطورات التكنولوجية إلى فتح “صندوق باندورا” (صندوق باندورا في الميثولوجيا الإغريقية، صندوق يحتوي على جميع أنواع الشرور من جشع وغرور وافتراء وكذب وحسد ووهن ووقاحة) من الأمراض غير المعروفة والتعديلات الجينية التي يمكن أن تهدد جوهر الحياة الإنسانية”.
حذّر عالم الفيزياء والكونيات البريطاني مارتن ريس Martin Rees في كتابه “ساعتنا الأخيرة ” Our Final Hour في العام 2003 من كارثة قد تدمّر العالم في العام 2020، وعاد وكرّر كلامه في مقابلة تلفزيونية أجراها في العام 2010 موضحاً توقعاته بالقول “أتمنى أن أكون مخطئاً لكن التقنية البيولوجية تتطور بسرعة” محذراً من “وباء مثل سارس، فخطأ ما إذا حدث في منطقة معينة قد يؤدي لكارثة”. وحذّر ريس أنه بحلول سنة 2020، سيقع حدث من خطأ بيولوجي أو إرهابي بيولوجي يؤدي إلى قتل مليون فرد. وجاء العام 2020 وتحققت تنبؤات ريس وربح رهانه حول انتشار وباء، ولكن لم تتم بعد معرفة أصل فيروس كورونا المستجدّ (مثله مثل الفيروسات التي ظهرت حديثاً إذ يظهر الفيروس ويختفي دون معرفة مصدره الأصلي) ما إذا كان طبيعياً أو مصنّعاً أو عملاً إرهابياً، ولم يقتل الوباء مليون شخص فقط، إذ تجاوز الرقم المليونين حتى الآن ، وما زالت أعداد الوفيات تزداد يوماً بعد اليوم، ولكن الشيء المؤكد أنه عطّل الحياة وأصاب العالم بالهلع والرعب وسبب خسائر في الأرواح ودمّر اقتصاد الدول.
قبل 49 عاماً وقّع العالم على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، غير أن القوى العسكرية الكبرى لا تزال تحتفظ بهذه الأسلحة سراً وتقوم بتطويرها في مختبراتها، ومنها دول منضمة إلى اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، مستفيدة في ذلك من عدم وجود جهة تنفيذية دولية تراقب التزام الدول بالاتفاقية، أو تجبرهم على الشفافية الكاملة بشأن دراساتهم ومشاريعهم في هذا المجال. في العام 2018 اتهمت روسيا الولايات المتحدة الأميركية بإجراء تجارب على البشر في مختبرات بيولوجية بجورجيا وأن بياناتها حول تطوير وسائل نقل واستخدام الأسلحة البيولوجية، تتعارض مع الاتفاقيات المتعلقة بحظر الأسلحة البيولوجية. كما أعربت العام الماضي عن قلقها من نشر واشنطن للمختبرات البيولوجية حول الصين وروسيا دون أن تكشف عن طبيعة هذه المختبرات. بالمقابل رفضت موسكو اتهامات واشنطن لها بانتهاك اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، وأكدت أن نشاطها الطبي البيولوجي، يحمل طبيعة سلمية بحتة.
لقد جرت عدة محاولات خلال المؤتمرات الاستعراضية لاتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، التي تنعقد كل خمس سنوات، للوصول إلى بروتوكول دولي يهدف إلى التحقق والمراقبة، تحديداً لوضع نظام تفتيش يفرض الإعلان عن أي نشاط ذي صلة بالحرب البيولوجية، غير أن هذه المساعي اصطدمت بعوائق كثيرة، فالولايات المتحدة الأميركية رفضت مشروع البروتوكول خلال اجتماع فريق الخبراء الحكوميين المخصص عام 2001 بسبب تخوفها من استخدامه في الإضرار بالبرامج البيولوجية الدفاعية الأميركية، وفي التجسس الصناعي على شركات الدواء الأميركية معتبرة أنه يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي.
كما تضمن البروتوكول إنشاء منظمة حظر الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية للتحقق من الإعلانات التي تقدمها الدول الاطراف حول أسلحتها البيولوجية وذلك من خلال الزيارات التي يقوم بها المفتشون.
بالإضافة إلى ذلك، نص البروتوكول على التحقيق في حالات تفشي الأمراض، ولا سيما تلك التي يُزعم أنها مرتبطة بأنشطة محظورة. ويكون لأي دولة طرف الحق في طلب إجراء تحقيق إذا أثار تفشي المرض مخاوف بشأن الامتثال لاتفاقية الأسلحة البيولوجية.
من المقرر عقد المؤتمر الاستعراضي التاسع لاتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية هذه السنة وسيكون له أهمية خاصة بعد تفشي فيروس كورونا المستجدّ والآثار المدمرة التي أحدثها على مختلف الصعد، وربما سيكون هناك ضغط أكبر من الدول الأطراف في الاتفاقية للموافقة على مشروع البروتوكول وإنشاء منظمة الأسلحة البيولوجية خاصة بعد عجز منظمة الصحة العالمية عن التعامل مع الوباء بمفردها وما ستؤول إليه التحقيقات التي يجريها حالياً مفتشوها في مدينة ووهان الصينية بؤرة تفشي فيروس كورونا المستجدّ. بالمقابل فإن إنشاء المنظمة ونجاحها في القيام بمهامها مرهون بكف يد الدول الكبرى عنها وعدم التدخل في شؤونها. وتجربة منظمة الأسلحة الكيميائية لا تشجع على ذلك، فالأخيرة تحولت إلى أداة ضغط سياسي من قبل بعض الدول التي تفرض عليها ما تريد. كما سيكون المؤتمر، خاصة بعد تفشي فيروس كورونا والتحذير من انتشار فيروسات خطيرة أخرى، منصة لاعادة النقاش حول المادة 10 من اتفاقية الأسلحة البيولوجية التي تفرض التعاون في مجال الأبحاث البيولوجية لأغراض سلمية ولمساعدة الدول النامية في مواجهة انتشار واحتواء الأوبئة والتي تعترض الدول المتقدمة على ذلك بذريعة حماية أبحاثها العلمية من جهة، واحتمال وجود مخاطر من أن يؤدي ذلك إلى انتشار إمكانية صنع الأسلحة البيولوجية، من جهة أخرى.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال