عودة مرة أخرى إلى موضوع الديمقراطية، هذا الموضوع الذي وجد معارضة لا بأس بها من بعض شرائح المجتمع، سواء تم تصنيفهم من النخب، أو من عامة الناس، وكلٌ على حسب تصوره وعلمه، أو جهله ومخاوفه، يؤيد أو يعارض.
أولًا: الديمقراطية من وجهة نظر الإسلاميين
يرى العديد من المحسوبين على هذا التيار بأن الديمقراطية ما هي إلا خصمًا للدين! والمشكلة في هذا التفكير تكمن بمصدر السلطات الذي جرى الاختلاف عليه، في الوقت الذي يرى فيه أنصار هذه الجهة أن الديمقراطية تعني بشكل عام حكم الشعب، وهذا مخالف لما يرونه صحيحًا من أن الحكم لله، ومصدر السلطات هي الشريعة الإسلامية!
مثلما اتفق سيد قطب والمودودي – على سبيل الذكر لا الحصر – على عدم التوافق بين الديمقراطية والإسلام!
رغم أن الجماعات الإسلامية نفسها، ليس لها طريقًا للوصول إلى كرسي الرئاسة إلا عن طريق الخوض في السباقات الرئاسية بصرف النظر عن نزاهتها، أو مدى حقيقة الديمقراطية من زيفها.
أيضًا قد تجد منهم المنقسمين بين من يرى أن الشورى والإسلام هو الديمقراطية، وآخر يرى بأن الشورى ليست هي الديمقراطية.
ثانيًا: عامة الناس
الذين صدقوا الرواية التي أطلقتها بعض الحكومات السلطوية من أن الشعب غير جاهز للديمقراطية! وتارة ضرب المثال في تلك الشعوب التي ثارت على أنظمة الحكم المستبدة أبان الربيع العربي بأنهم خلفوا الفوضى وانعدام الأمن وضياع البلاد، رغم أن تلك الحكومات نفسها هي من قامت بعمل ثورات مضادة، فصارت آمال الشعوب وطموحاتها من الخوف – إن جاز التعبير – في كُمون!
واقتنع البعض الآخر بأنهم يعيشون حياة أفضل وأكثر ازدهارًا من غيرهم من الشعوب الثائرة على الظلم.
وعزز وثبت تلك الأباطيل المروجة تلك الشريحة الثالثة: النُخب.
النُخب وما أدراك ما النخب! أولئك الأشخاص الذين يصنعهم المجتمع بوعي، أو بغير وعي، وضاع في خضم النعت والوصف المعنى الحقيقي لهم.
بعض هؤلاء بالذات يطلق عليهم أبواق للسلطة ومروجي الشائعات ومزيفي الحقائق! فهم المستفيدين بشكل أو بآخر من بقاء النظام، ودحض فكرة الديمقراطية وتشويهها لدى متابعيهم اقتحام الكونجرس، وبدا الأمر وكأنه بدا انقلابًا على غرار ما يحصل في بعض دول العالم الثالث، والقول بعدم جدوى الديمقراطية، لا سيما وتشبث ترامب بالسلطة، رغم هزيمته التي لم يرض أن يقر بها! وهنا رآها البعض مثلبة بالنظام الديمقراطي، وكأن انتقال السلطة لدينا تتم بأفضل مما هو عليه بالدول المتقدمة! رغم أنهم هم أكثر تعلقًا بكرسي الحكم الذي لا يتركه إلا كُرهًا عندما يغيبه الموت، أو تحدث ثورة تسقطه، ولا مجال هنا للمقارنة كما يفعلون.
نعم ترامب أحدث فوضى، حرض اتباعه على مناصرته واقتحام الكونجرس وخُسرت أرواح في سبيل نصرته، ولم يكن لديه أدنى إحساس بالمسؤولية، ورئيس آخر يقدم استقالته، نعم كان انتقال السلطة لبايدن استثنائيًًا في ظل وجود وباء كورونا وتعنت ترامب، ولكن في النهاية الديمقراطية الصلبة والحقيقة تُحصن نفسها، ولا يمكن أن تموت مهما بلغ الجهل السياسي للرئيس!
ثمة مؤسسات راسخة لا تهزها أهواء الحاكم، ونظام ديمقراطي قادر على إصلاح ذاته، ولا ينحني طويلًا أمام الزلازل السياسية، ها هو ترامب رغم كل ما أثاره من مشاكل وتخبطات، إلا أن الأمر قد استقر على فوز بايدن وانتقلت السلطة إليه رغم كل شيء.
النظام الديمقراطي لا خوف عليه، لكن الأنظمة الاستبدادية هي الآيلة للسقوط يومًا ما.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال