انتهت الانتخابات النيابية في مصر، وقد ضمَّت خلال المرحلة الثانية محافظة السويس، الواقعة شرق العاصمة. وكانت المنافسات الأولى قد أسفرت عن الإعادة بين أربعة مرشحين، وخسارة المرشحين من الأعضاء السابقين لمجلس النواب، ومن بينهم أعضاء تكتل 25/30 المعارض.
عن نفسي فإنني قد اكتشفت أنه، رغم اليأس، فإن ثمة شيئاً يبقى، وهذا ما دفعني لمتابعة العملية الانتخابية، فاتجهت الأنظار إلى النائب أحمد طنطاوي، مرشح فردي مستقل عن دائرة كفر الشيخ-قلين في مرحلة الإعادة. والذي عرف عنه مواقفه في مواجهة تكتل "موافقون".
وللأسف تم العبث في النتيجة، بناء على ما قاله طنطاوي خلال لقاء بثه على صفحته من خلال موقع الفيسبوك. وقد نشر محاضر الفرز في اللجان الفرعية ليُثبت تصدره لنتائج الإعادة وفوزه بالمقعد البرلماني، وقد أكد من خلال اللقاء أيضاً أنه ينوي عدة خيارات ليس من بينها السفر هرباً.
وأضاف: "ننتظر قبل إعلان الهيئة الوطنية النتيجة أن تراجع ما أُرسل لها من اللجنة العامة، وتعاقب المخطئ".
ولأننا نكتشف الأمل اكتشافاً أسفل ركام من اليأس، ذكرني تعلق الكثير بالأمل في فوز النائب أحمد طنطاوي، بعد التشكيك فيه بجملة "لكن ما الذي يثبته، أين الأدلة؟!".
التي جاءت على لسان أحد أبطال قصة قصيرة للأديب المصري جمال الغيطاني تحمل عنوان "حكايات الغريب". ولمن لا يعرف فقد قدمت القصة كفيلم، تمت معالجة الأحداث بما يتناسب مع عمل درامي يختلف في أجزاء كثيرة مع قصة الغيطاني دون المساس بثوابتها، من إخراج إنعام محمد علي، وبطولة محمود الجندي، محمد منير، شريف منير وآخرين.
وتدور القصة حول سائق سيارة الصحافة عبدالرحمن محمود، الذي دخل في صباح 23 أكتوبر/تشرين الأول 1973 إلى السويس، وهو يقود سيارة نقل فورد موديل 1956 مُحملة بصحف وكتب ومجلات لنقلها إلى السويس، ثم انقطعت أخباره في 24 أكتوبر/تشرين الأول، وفي الثاني من فبراير/شباط 1974، قام رئيس العهدة بالمؤسسة المعتمدة للتوزيع بكتابة مذكرة لعرض موقف السائق.
وفي الثالث من فبراير/شباط، بعد تفكير مشترك صدر قرار بتشكيل لجنة تسافر إلى السويس لتقصي الحقيقة حول عبدالرحمن والبضاعة. لتجد اللجنة شهادات متعددة تؤكد رؤية عبدالرحمن أو الغريب أو خلف فقد تعددت أسماؤه.
رغم أن الجميع يؤكد أنه هو سائق سيارة الصحافة، وقد شوهد أثناء قيامه بعمليات بطولية ضد العدو في الكثير من مواقع المواجهة بين المقاومة الشعبية في السويس والجيش الإسرائيلي، الذي دخل إلى السويس عن طريق ما عُرف بثغرة الدفرسوار!
وقصة "حكايات الغريب" منقولة عن قصة حقيقية لسائق بمؤسسة صحفية هو عبدالعزيز محمود، والذي استشهد في فترة حصار السويس، وقد وثقها الغيطاني عندما كان مراسلاً حربياً لجريدة أخبار اليوم في الفترة بين 1969 و1973م. ولم يكن سائق سيارة الصحافة في القصة سوى مواطن عادي، ليس ممن يشهد لهم بالأفعال البطولية، بل كان يعيش في حي الجمالية، أحد أحياء مصر الشعبية، بلا مغامرات، ولم يحمل ملفه الوظيفي أي إنذارات أو جزاءات.
مجرد ملف عادي قد يكون لأي مواطن مصري من هؤلاء الذين يفضلون المشي جنب الحيط. ومع ذلك عندما توجه إلى السويس في مهمة عمل أثناء الحصار اكتشف نفسه، فلم يكن على علم بحمل السلاح، لأنه معاف من الخدمة العسكرية كونه ابناً وحيداً ويعول أمه. وعندما تعلم كان يسبق الآخرين ولم يكن ينام إلا نادراً، ولم يره أحد إلا وكان يؤدي عملاً، فتارة يحفر الخنادق، وتارة شوهد يحفر مع الشبان آباراً للمياه، ومرة يقف في نوبة حراسة، وأخرى يتسلل خلف خطوط العدو.
وقد قيل إنه كان يقف في مواقع شديدة الخطورة ويصوب نحو العدو دون أن يصاب. وتعددت الشهادات والشهود دون أن يجدوا له أثراً، فهل استشهد أم أنه لا يزال حياً؟ لا أحد يعلم.
كان هذا السؤال هو مغزى قصة الغيطاني بعد الانهزامية التي عاشها المواطن المصري عقب نكسة 67، وعاش غريباً في وطنه يعاني تقرحات الهزيمة، ولكن عاد ليكتشف نفسه عند المواجهة، ويثبت أنه مازال حياً أثناء حرب 73، والمقاومة الشعبية عقب الثغرة والحصار، التي جعلت من السويس قبلة لكل عشاق الوطن ليقدموا بطولات عظيمة.
ثم طرأت التحولات والتغييرات فقدم الكثيرون المصلحة على الوطن، ولقمة العيش على القيم والمبادئ، وفقد الغريب ومازال البحث جارياً.
ويأتي السؤال "لكن ما الذي يثبته، أين الأدلة؟" أن هذا المواطن لم تأكله الأيام والهزائم، وأن معدنه الأصيل قد يظهر ويعود مرة أخرى.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال