ما مرد الانسحاب الظاهري من الملف الليبي الذي كان الرئيس تبون يؤكد على أنه من أولى أولياته؟ هل هو انسحاب تكتيكي أم أن الرئيس تبون وجد نفسه تحت ضغط وابتزاز أردوغان.
وتوالت تصريحات وحوارات الرئيس، وفي كل مرة كان يعبر عن قلقه من التدخل الأجنبي في ليبيا، والانعكاسات الخطيرة لذلك على الأمن في الجزائر وفي المنطقة كلها. ولم يتردد في القول في حوار مع التلفزيون الجزائري بأن ما حدث في سوريا بدأ يتجسد شيئا فشيئا في ليبيا، وأن نفس الأطراف التي تتصارع هناك هي ذاتها التي تتصارع في ليبيا أيضا. وليس هذا فحسب بل تنبأ، إن لم تحل الخلافات بين الطرفين الليبيين المتنازعين وبين المتدخلين الأجانب، ستدخل ليبيا في مرحلة الصوملة. كما أشار في عدة مناسبات إلى وقوف الجزائر موقفا محايدا؛ همها الوحيد هو استتباب الأمن في الجارة ليبيا وعلى حدودها. ويؤكد الرئيس تبون أن بلاده تحظى باحترام كل الليبيين، الذين يثقون كلهم في الجزائر ويعتبرونها البلد الوحيد الذي باستطاعته إيجاد حل لمشكلتهم.
وذهب الرئيس الجزائري في حوار آخر إلى إعادة النظر في اتفاق الصخيرات بالمغرب، وقال بالحرف الواحد إن حكومة السراج مؤسسة من بين مؤسسات أخرى وقد تجاوزتها الأمور ويجب البحث عن مؤسسة أخرى تجمع كل الليبيين. وهي صفعة مباشرة لمشاريع أردوغان، عراب حكومة فايز السراج.
ولكن سرعان ما خفّت حدة الخطاب الجزائري، وتراجع ذلك الاهتمام الذي أظهرته الجزائر في الشهور الأولى من وصول عبدالمجيد تبون إلى سدة الحكم. يبدو ذلك واضحا على وجه الخصوص في مضمون الكلمة التي ألقاها الرئيس عبر تقنية التواصل المرئي، أمام الجمعية العامة في دورتها الـ75، إذ لم يخصص وقتا طويلا للملف الليبي ولم يقدم أي اقتراح لحلحلة الوضع في البلد رغم انسداد الآفاق ودق طبول الحرب على حدود بلاده.
فما مرد هذا الانسحاب الظاهري من الملف الليبي، الذي كثيرا ما كان الرئيس تبون يؤكد على أنه من أولى أولياته؟ هل هو انسحاب تكتيكي يخفي أسرارا أم أن الرئيس تبون قد وجد نفسه تحت ضغط وابتزاز أردوغان الذي استغل وجود أمين سر قائد الأركان السابق القايد صالح، في تركيا والذي هرب إليها حاملا معه ملفات خطيرة متعلقة بفساد بعض رجال الدولة في الجزائر وأمور أخرى متعلقة بالأمن الوطني؟
لقد اضطر عبدالمجيد تبون إلى الاتصال شخصيا بأردوغان طالبا منه تسليم العسكري الفار قرميط بونويرة، الذي لا يحمل سوى رتبة مساعد أول، وهو الذي لم يعر أدنى اهتمام للجنرالات الهاربين إلى أوروبا حاملين معهم الكثير من أسرار الجيش الجزائري!
لقد تسلمت الجزائر ما أصبح يطلق عليه “خزان أسرار القايد صالح”، ولكن بأي ثمن؟ ما عساها أن تكون تلك الأسرار، التي هي اليوم حتما في يد أردوغان، إذ لا يعقل ألا ينتشلها انتشالا من العسكري الجزائري الهارب؟ فمن غير المعقول ألا ينتهز الأتراك فرصة ذهبية كهذه للضغط على الجزائر وإبعادها عن الملف الليبي. ولا يبقى أمام السلطات الجزائرية في هذه الحال سوى نشر كل ما كان في حوزة العسكري الهارب لقطع الطريق أمام ابتزاز أردوغان.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال