احتفلت مصر أواخر الشهر الماضي أيلول / سبتمبر بذكرى مرور نصف قرن على رحيل الرئيس المصري والزعيم العربي جمال عبد الناصر ؛ كما احتفلت أيضاً خلال الإسبوع الأول من شهر تشرين الأول الجاري بذكرى عبور القناة انتصار حرب 6 اكتوبر 1973 المحدود لتحرير شبه جزيرة سيناء وهو الحدث والذي تم بفضل السلاح السوفييتي الأكثر تطوراً مما قبل هزيمة حزيران 1967 وتحت قيادة خلفه اليميني الرئيس أنور السادات ، وشارك في قيادة السلاح الجوي فيها خلفه الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك ، كما شاركت فيها بنفس السلاح السوفييتي الأقل تطوراً إلى حد ما سوريا البعثية ( جناح الأتاسي وصلاح جديد المعروف بتطرفه )..
في واقع الحال ما كان لعبد الناصر أن يسهم إلى حد كبير في تحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي ؛ الذي خاضت به مصر والعرب جميعاً حرب اكتوبر / تشرين بعد ثلاث سنوات فقط من رحيله ؛ لولا أنه نضج سياسياً كثيراً بعد الهزيمة المريرة ؛ فباستثناء تمسكه بالنهج الشمولي في حكمه في الداخل الذي عجز عن التخلي عنه ، يُحسب له بأنه بادر إلى اطفاء حروبه الباردة على الأقطار العربية المحافظة التي لا تتفق مع توجهاته وشعاراته وأحلامه القومية الوحدوية المكلفة سياسياً ومالياً وسحب قواته من المستنقع اليمني . لكن تلك الدروس التي اتعظها من النكسة لم تتعظها فصائل المقاومة الفلسطينية للأسف والتي كانت تصر على نهج " الكفاح المسلح " العدمي من خارج إسرائيل ، وهو ما أثبتت الأحداث عدم واقعية انتهاجه سواء من الداخل أم من الخارج ، في مقابل خيار أشقائهم اليسار الفلسطيني في انتهاج المقاومة المدنية السلمية منذ نكبة 48 ( الشيوعيين تحديداً ) ، ثم نقلت الفصائل الفصائل الفلسطينية ساحة كفاحها المسلح من الاردن إلى الساحة اللبنانية في ظل دولة ذات سيادة هشة حينئذ بفعل اشتداد تناقضاتها السياسية والدينية والاجتماعية في دولة تقوم على " المحاصصة الطائفية" حتى داخل المؤسسة العسكرية ، ووقع اليسار اللبناني حينئذ في خطأ قاتل بالتحالف مع الفصائل الفلسطينية لتحقيق مهمة مزدوجة أشبه بالمستحيلة : لخوض حرب أهلية ذات أبعاد طائفية ضد اليمين ذي الغالبية المسيحية كانت عبثية مدمرة أستمرت 15 عاماً أكلت الأخضر واليابس ، وذلك لحل التناقضات السياسية الاجتماعية الطبقية اللبنانية بالقوة المسلحة من جهة ، ولتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عن طريق التحالف الوطني اللبناني - الفلسطيني ذاته من جهة اخرى 0 ثم استلم راية المقاومة المسلحة حزب الله في الجنوب حيث انهزم التحالف الفلسطيني - اللبناني غداة الاجتياح الأسرائيلي صيف 1982 . ومثلما خلقت الفصائل الفلسطينية لها دولة داخل الدولة في الجنوب ؛ كما بيروت (ما سُمي جمهورية الفاكهاني تعبيراً ) عنها فعلت المقاومة الجديدة الأمر ذاته ؛ حيث أطلقت على نفسها " الإسلامية " بإسم كل اللبنانيين بشتى طوائفهم الإسلامية والمسيحية على السواء ، بل ولم تحتكر هذه المقاومة والشجاعة وشعار " أشرف الرجال " وقفاً على طائفتها فحسب ووفق منظورها الفئوي الضيق ، بل أقامت لها دولة موازية للدولة القائمة في الضاحية والجنوب ( والبقاع -إلى حدما- ) واحتكرت ساحة العمل السياسي في هذه المناطق بإسم " سلاح المقاومة " لئلا تزاحمها أي قوى سياسية اخرى ولو من داخل طائفتها ، تماماً مثلما كانت من قبلها منظمة التحرير تستحضر في تحالفاتها مع الانظمة القومية الشمولية صراعاتها على الساحة العربية على الساحةاللبنانية ، بل أن أحزاب وفصائل التحالف اللبناني - الفلسطيني صمتت تماماً عن فضيحة أو جريمة دكتاتور ليبيا السابق معمر القذافي الذي كان يدعم هذا التحالف بالمال والسلاح بتغييبه أو اغتياله الإمام موسى الصدر وهو القائد الإسلامي الشيعي الأكثر اعتدالاً مقارنة بقائد حزب الله الحالي السيد حسن نصر الله الذي نصّبته طهران بعد نجاح ثورتها وأصبح رهيناً لأجندتها في المنطقة العربية . . ومن سخريات القدر أن أضحت حماس في قطاع غزة تستنسخ تجربة " الكفاح المسلح " على طريقتها الخاصة في غزة وكانت تمارس تفجير الباصات داخل إسرائيل التي تذكرنا باختطاف الطائرات بدايات العمل الفدائي المسلح مسببة ردود فعل إجرامية إسرائيلية يدفع أثمانها الشعب المحاصر داخل القطاع ؛ لعلها لا تقارن بردود أفعالها الإجرامية على عمليات المقاومة التي كانت تمارسها الفصائل في الأردن ولبنان ، فيما أضحت حركة فتح التي تقود المغيبة المرحومة منظمة التحرير ..؛ تمارس من موقعها السلطوي في الضفة حلولاً ومبادرات سلمية بإفراط وتفريط عجيب بعد أن نعما كلا الفصيلين بسلطة شكلية على أرض محدودة من وطنهما تحت رحمة الاحتلال بموجب " اتفاق اوسلو 1993 التي عقدته فتح بإسم المنظمة مع إسرائيل ، هي التي كانت تعيّر عبد الناصر بموافقته على مبادرة روجرز وقبوله بقرار مجلس الأمن 242 غداة هزيمة حزيران لعام 1967 .
ومن يدري فلربما ثمة قلة بدأت تتلمس اليوم الحصاد المدمر لأخطاء حزب الله وحركة حماس القاتلة ؛ في لبنان وغزة على شعبيهما ، وأن تستفيد أيضاً من دروس تلك الأخطاء بعض ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من ايران في العراق والتي خذلت انتفاضة تشرين العراقية ، تماماً مثلما خذل حزب الله انتفاضة تشرين اللبنانية في نفس الشهر من العام الفائت ، أما الأكثرية من اليسار العربي والإسلام السياسي الشيعيى العربي فلا يبدو حتى الآن قد فاقوا من وهم عظمة حزب الله في المقاومة وإيران من خلفه بالتوازي مع المراهنة في الصمود والممانعة على النظام القمعي السوري الآيل للسقوط ؛ ومن ثم استمرار تقديسهم هذه الأطراف قبل فوات الأوان ، حتى لا يندموا بعدئذ في وقت لا ينفع فيه الندم !
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال