أثارني تصريح عم الطفل عدنان بوشوف لإحدى القنوات الالكترونية عند دفاعه عن الطفولة المغربية وضرورة صيانة الكرامة، رسالته للمغاربة من أجل المستقبل حتى لا تتكرر مأساة اغتيال الطفولة.
جدل كبير في المغرب حيث تحولت القضية في مشهدها الإعلامي والتغطية الهائلة من شبكات التواصل الاجتماعي، وتدخل الهيئات والمنظمات الحقوقية حتى أصبحت قضية رأي عام، وقضية المغاربة من جراء الغضب الشديد على الجريمة. مطالب الناس متباينة، تزايد شرارة الاحتقان والسخط العارم من تنامي ظاهرة الاختطاف والقتل للأطفال ، هذا النوع من الجرائم في المجتمع المغربي في تفاقم مستمر من حالات الاختطاف دون تشريع واضح بالعقوبات الزجرية والتي يمكن أن تصل حد الإعدام أو السجن مدى الحياة، دون الحق في تخفيف العقوبات، وما تطلبه شريحة مهمة من المجتمع المغربي تحقيق العدالة بالإعدام شنقا حتى لا يستفيد المجرم من التخفيف، بل حتى يكون عبرة لكل من فكر يوما في قتل الأطفال، وبالتالي تنعم الطفولة المغربية بالهدوء ويسكن الاطمئنان قلوب الآباء دون الخوف على أبنائهم .
سيفكر المغاربة كثيرا في إرسال أبنائهم للمدارس والمتاجر واللعب أمام المنازل خوفا من الوحش الآدمي، عندما يستفحل الخوف ويستنبطن في اللاشعور ويترسخ في الوعي، وحين تهدأ العاصفة ويتبدد هذا الخوف لمدة معينة تعود مشاهد أخرى من جديد ، والأمثلة من حالات الاغتصاب والقتل التي هزت أركان المجتمع المغربي سابقا، وحالات أخرى من القتل العمد لأسباب تافهة، أو حالات من الانتقام وتصفية الحسابات. ظواهر شاذة تنم بالفعل عن الأزمة التي نعاني منها وأسبابها ظاهرة وكامنة، مركبة وعميقة ، وعندما نفتش في سبل مقاومتها والحد من انتشارها نجدها بالفعل منغرسة في بنية المجتمع ، في الجوانب النفسية وأمراض المجتمع وعقده النابعة من التربية والتكوين، ومن الأسرة التي استقالت من مدة طويلة في تقديم القيم السليمة لأجل التهذيب والتربية على ما هو أصيل، ونجدها قابعة في الحياة الاجتماعية والتحولات القيمية من مجتمع ميكانيكي بالقيم الغارقة في البداوة إلى مجتمع عضوي ومعقد يستوجب منك أن تتفاعل مع إيقاع التمدن وتحولات المدينة المغربية في القيم الجديدة الميالة للحرية والفردانية ، وكذلك من الجانب الثقافي هناك تراجع لأدوار المؤسسات في تكريس هيمنة الثقافي وزرع قيم الإخاء والتسامح . من هنا نحن في حاجة لإعادة النظر في منظومة القيم من جهة، وتصويب سهام النقد للسياسة العامة إزاء التربية والتعليم والإعلام ، ولا نفهم ما يقع في المغرب من عملية اغتيال للطفولة في ريعان العمر من تداعيات على المجتمع وراحته النفسية، والتداعيات على الأمن والأمان، لا نريد العيش في توجس وحذر دائمين، تلك ميزة حالة الطبيعة كما قام بتشخيصها ومعالجتها فلاسفة العقد الاجتماعي من خلال القبضة الحديدية للدولة المدنية والقوانين الردعية، والتوافق على العيش المشترك ، تلك المخاوف يمكن أن تدخلنا في الفوضى وصراع الكل ضد الكل ، فيتحول المجتمع لمصنع لإنتاج الأزمات .
حالة إخفاق القوانين في معالجة الأزمات، ولذاك من حق الناس المطالبة بأقسى العقوبات، ومن حق البعض الاختلاف في طرائق تنفيذ العقوبات، وعينا لا يستسيغ تقبل هذا النوع من الجرائم في مجتمعنا، ولا نرضى أن تكون العقوبات لينة، بل ينادي الجميع بإجراءات تضمن تطبيق العدالة بدون شفقة، وإلا سنشهد بعد سنوات تنامي ظواهر مشابهة لا تسري على فئة معينة، بل تعمم على كل الفئات العمرية، ويدخل المجتمع في حالة من الارتباك وانعدام الأمن ، مخاوف مشروعة من المجتمع المدني، وتساؤلات في الصميم تزرع فينا الميل للمطالبة، وتذكير الفاعلين بأهمية المشروع المجتمعي الذي يسعى المغرب لبنائه، وترسيخ فلسفة حقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، وتعهد بالتزام تطبيق بنودها في صيغتها الكونية، وإذا جنح البعض من المغاربة بمواقفه في الاعتراض على الإعدام من قبيل تعارض القوانين الوضعية وحق الحياة مع عملية الإعدام أمام الملأ أو هذا النوع من الإعدام من الطرق التي تجاوزتها الدولة الحديثة فإن للرأي ما يبرره من مواقف وآراء من منطلق مصداقية القوانين الوضعية في العقاب والردع، لكن الرأي الآخر يعتبر تطبيق عقوبة الإعدام عبرة وحد نهائي في إنهاء هذا الاستنزاف حتى يختفي هذا النوع من الجرائم الجديدة في مجتمعنا .
نقاش مستفيض اليوم في المغرب عن ظواهر مماثلة للعنف الذي يطال المواطنين في عملية التحرش والاختطاف والاغتصاب، ويطالب المغاربة على اختلاف توجهاتهم بقوانين صارمة، وإصلاح الخلل في القوانين التي يراها البعض متساهلة أو تنطوي على التخفيف في حالات تستحق الإعدام والعقوبات السجنية مدة أطول . خروج الناس في طنجة للتنديد بقتل الطفل عدنان دليل على إحساس الكل بالضرر النفسي الذي أصاب الأسرة والمجتمع المدني ، شبكات التواصل رائدة في التتبع والمراقبة للشأن العام، وتنبيه الناس للحذر والاحتياط ، حالات مشابهة للاختطاف وقعت في مدن أخرى، وعرفت صيحات قوية من التنديد والرفض من قبل الجمعيات الحقوقية والمنظمات الإنسانية والرأي العام المغربي، تدوين هذه المشاهد يؤرخ للحدث في بعده الإنساني، ويلقي اللوم والمسؤولية على المجتمع والدولة معا ، استقالة الآباء من التربية والانصراف لأعمالهم، وغياب روح القيم الأصيلة في ثقافتنا، والقيم الكونية التي نرددها في احترام الحياة وصيانة النفس، القوانين التي تجرم الفعل ليست قاسية بمقياس طبيعة الجريمة ، والعقوبات التي ينادي الناس بتطبيقها تحتاج للقرار الرسمي علما أن المغرب أبقى على عقوبة الإعدام مع وقف التنفيذ ، والحق في الحياة ملازم لكل إنسان لكن من جانب آخر، وعلى غرار ما هو سائد في دول أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي تجيز الإعدام والضرب من حديد لكل من يهدد سلامة الأرواح. حكم الإعدام في التشريع المغربي يقتصر على الجرائم الخطيرة، وفي مضمون القوانين الدولية خصوصا الخاصة بالجريمة أن تعمل الدول التي أبقت على عقوبة الإعدام الحد من هذا النوع من الجرائم الأشد خطورة ، وهناك بعض المعايير المعمولة في تطبيقها قطعا أو تخفيف الحكم أو العمل على إلغائها في حالة عدم وجود شرط الجرائم الأكثر خطورة ، في القانون المغربي هناك عقوبة الإعدام في حالات منها المساس بأمن الأمة لكن هناك ضوابط ومعايير ومنها : لا يحكم بالإعدام على القاصرين دون سن 18 سنة ، ولا ينفذ الإعدام إلا بأمر من وزير العدل، ولا يمكن تنفيذه إلا بعد رفض طلب العفو، والأمر دائما هو التطابق بين الأحكام والقوانين الدولية، إضافة إلى الاتزان والتريث في تطبيق عقوبة الإعدام .
النقاش العام أفرز مجموعة من الآراء والمواقف التي تنص على عدم إلغاء عقوبة الإعدام بشكل نهائي، لكن ضرورة التقليص من الجرائم التي صنفت بالأكثر خطورة أي تطوير العدالة الجنائية، وما يتناسب وتوجهات الدول المغربية نحو إرساء معالم الدولة الحديثة . فالنقاش الدائر الآن في الفضاء العمومي والإعلام الالكتروني يتعلق بقناعة الكل للتوجه نحو التشديد أكثر في العقوبات على الجرائم البشعة، جرائم اغتيال الطفولة، سفاح تارودانت وقتله تسعة أطفال بطريقة وحشية بعد عملية استدراجهم للبيت وخنقهم ودفنهم بداخل الكوخ الذي يقيم فيه الجاني ، حكم عليه بالإعدام في 2010 دون تنفيذ ، والأخطر أننا عندما نسلط الأضواء على الجريمة في أبعادها النفسية والاجتماعية، يلزمنا خبراء وعلماء في ميدان الطب النفسي والتشخيص الاجتماعي لأمراضنا المزمنة التي تعود للطفولة والتربية السليمة.
الجاني في استجواب القاضي وسؤاله عن السبب اعتبر الأمر طبيعيا لأنه عانى من نفس الممارسة في مرحلة مبكرة من عمره، هذا الرضا عن الفعل الشنيع واقعي من منطلق الفاعل، وفظيع من منطلق الكل. فالأصوات التي تنادي بالإعدام كحل نهائي للتخلص من أخطر الجرائم والمجرمين تعتبر القرار صائبا في استئصال هذا النوع من الجرائم حتى يكون هناك نوع من العقاب الشديد في حق الجناة، ومن يعترض على ذلك يعتبر أن السجن والحكم بالمؤبد دون تخفيف بمثابة أقسى العقوبات التي ينزلها القاضي على المجرمين، ووراء هذا السجال الفكري والقانوني يتحتم على المشرع وضع مساطر تحديث السياسة الجنائية، تندرج ضمن الإلغاء الشامل لعقوبة الإعدام، والبحث عن البدائل أو الزيادة في العقوبات للتقليص من أشكال الجرائم البشعة التي تطفو بين الفينة والأخرى كظواهر في الحياة الاجتماعية ، وما يعطي دينامية في حركة المجتمع المغربي نحو الحسم مع الجريمة البشعة الزيادة في درجة الوعي الاجتماعي، والتماس المفيد والصالح من الثقافة في بعدها المحلي والكوني، وحماية الطفولة من الاغتيال، وذلك من خلال تشديد المراقبة في المؤسسات العامة ، والزيادة في التباعد بين الكائن الراشد والقاصر، وتربية الجميع على الاحتياط والاحتراس، وإعادة النظر في التقاليد والعادات. عندما امتنع المغرب في المصادقة على القرار المتعلق بعقوبة الإعدام ترك المجال للسياسة الجنائية في تدبير الأمور من خلال حلول أخرى، دون التقيد بقوانين ملزمة، وآخر عقوبة الإعدام نفذها المغرب كانت في 1993 . والحقيقة أن المشرع المغربي حاول باجتهاد البحث عن البدائل الممكنة في معالجة هذا النوع من الجرائم البشعة حتى ينعم المجتمع بالأمن والأمان . لذلك كان تعبير عم الطفل عدنان بالقول أن الطفل عدنان قربان للطفولة المغربية، رسالة للكل للحماية والتربية وتشديد العقوبات في منع اغتيال الطفولة.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال