Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

حفل التجنيس وسلطة العفو وحديقة الورود.. كيف يستخدم ترامب البيت الأبيض لصالح إعادة انتخابه؟

يُمكن للحدود الفاصلة بين الحكم ومُمارسة السياسة أن تكون ضبابية في بعض الأوقات، بيد أن هُناك سبباً وجيهاً للحفاظ عليها. وتلك الأحداث التي شهدناها في البيت الأبيض مساء يوم الثُلاثاء 25 أغسطس/آب لم تكتف بتخطّي الحدود فقط، بل محتها تماماً -مُختزلةً بيت الشعب في دعم مؤتمرٍ سياسيٍ لحزبٍ واحد.

إذ يُدرك كل مُقيمٍ في البيت الأبيض، أو ينبغي عليه إدراك، أنّ وجوده/ها سيكون مؤقتاً داخل المبنى والمكتب. ويكمُن جمال ديمقراطيتنا وقوتها في أنّ الأمر يرجع إلى الشعب مع كل انتخاباتٍ رئاسية، من خلال إدلائهم بأصواتهم، في تحديد هوية من سيتسنى له الإقامة في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المُقبلة. وكما قالت السيدة الأولى جاكلين كينيدي: "البيت الأبيض ملكٌ للشعب الأمريكي".

ولكن يبدو أنّ الرئيس ترامب يتبنى وجهة نظر مُختلفة مفادها أن البيت الأبيض -ومنصب الرئاسة- ملكيةٌ خاصة له يفعل بهما ما يحلو له. وعليه، شاهدنا في يوم الثُلاثاء تلك المسرحية الهزلية الثُنائية التي أساء الرئيس فيها استخدام الحيز المادي للبيت الأبيض، وحوَّل صلاحيات رئاسته إلى إحدى حلقات تلفزيون الواقع -ليصب كل ذلك في هدفٍ واحدٍ وهو إعادة انتخابه.

إذ عقد حفل تجنيس في البيت الأبيض يبدو وكأنه أُعِد خصيصاً للعرض على شاشة التلفاز، واستغله بعد ساعاتٍ من ذلك بوصفه أحد عروض مؤتمره المُذهلة. كما استغل سُلطة منح العفو الدستورية المهيبة، المنوطة بالرئيس وحده، بوصفها فقرةً أخرى من فقرات مؤتمره المُسلي. ولاحقاً، حوَّلت السيدة الأولى ميلانيا ترامب حديقة الورود إلى مجموعةٍ أخرى من فقرات المؤتمر الترفيهية. إذ شهدت حديقة الورود، تلك الأيقونة الشهيرة، زيارة الكثير من الشخصيات العامة التاريخية فضلاً عن الفعاليات الثقافية، بدايةً من الخُطب وجلسات التوقيع وصولاً إلى الزيارات الرسمية -بيد أنّها لم تُستغل قط في أحد المؤتمرات السياسية. ولا يجوز استخدامها بهذه الصورة.

وبالنسبة إلى كل من نال منا شرف العمل في البيت الأبيض، فقد كان من الصعب علينا أن نشهد هذا الأمر. لقد عملت في البيت الأبيض أثناء حملة إعادة انتخابات رئاسية. وشاهدت رؤساء يُحاولون التوفيق بين تنفيذ مهمتين هائلتين في آنٍ واحد -تصريف شؤون بلدهم، والترشح لإعادة الانتخاب. وأُدرِكُ أنّ الأمر بات أكثر صعوبة في عام 2020، خاصةً في خضم الجائحة. بيد أن حفل التجنيس وسُلطة منح العفو أوضحا أن هذا العرض لا يُمثل دليلاً على الانشغال بالصحة العامة، بل كان وسيلةً لتسخير زخارف وبهرجة المنصب الرئاسي. كما أنّ غياب مُمارسات التباعد الاجتماعي في حديقة الورود بعدها بساعات كان خير دليلٍ على هذه الحقيقة.

وبصفتي شغلت منصب كبيرة موظفي السيدة الأولى؛ انطوت مهمتي الأساسية على إدارة الفعاليات العامة والإشراف عليها داخل البيت الأبيض مثل: استضافة حفلات العشاء الرسمية، أو التوقيع على مشاريع القوانين التاريخية، أو إقامة الاحتفالات المُبهجة بالأعياد الوطنية. وكان من ضمن مسؤولياتي أيضاً، بالتنسيق مع مُحامي البيت الأبيض، أن أرفض إقامة فعاليات تقترحها أطراف خارجية أو مُستشارون سياسيون في حال كانت ذات طابع سياسي مُفرط في الحدة أو لا تُمثل بلدنا بأسره.

وواجهنا تحدياً في الحفاظ على هذه الحدود، التي تفصل قدر الإمكان بين الأنشطة السياسية والمهام الرسمية، وبخاصة أثناء إعادة الانتخابات. بيد أننا فعلنا ما بمقدورنا. ولكن لا يبدو أن هذه الحكومة تسعى حتى إلى تحقيق ذلك. وربما ينطوي هذا الأمر على انتهاكٍ للقانون، وعدم امتثال بالمعايير التقنية لقانون هاتش. بيد أن للأمور جذوراً أعمق من ذلك: فالاتفاق مع الشعب الأمريكي الذي مفاده أن الرئيس يُمثل أُمتنا بأسرها، يشتمل على من صوتوا لصالح الرئيس الحالي للولايات المُتحدة الأمريكية ومن لم يُصوتوا له.

واستخدام المؤسسات التابعة لحكومتنا من أجل أغراضٍ شخصية هو أمرٌ مؤسفٌ للغاية. إذ تضاءلت وتلطخت جلالة البيت الأبيض، وحكومتنا الفيدرالية، في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إليهما فيه. وكثيرٌ من المُواطنين الأمريكيين مرضى، ويُصارعون الموت، ويُعانون من تردي الأوضاع الاقتصادية، وخائفون، ومُنعزلون. وما هم في حاجةٍ إليه هو المُواساة والتوصل لحلول، وليس تقديم استعراضٍ مُصمم لدعم المصالح السياسية لحزبٍ واحد ورجلٍ واحد.  

تينا تشين - كبيرة مُوظفي البيت الأبيض سابقاً لدى السيدة الأولى ميشيل أوباما
 المقال مُترجم عن صحيفة The Washington Post الأمريكية.

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال