ما يجري في العراق يتطلب تدخلا أمميا لإيقاف الانتهاكات المستمرة، وإلا فلن يتوقف الموت في العراق طالما بقي السلاح مشهرا وطالما بقيت أحزاب ولاية الفقيه تتحكم في رقاب الشعب.
صدم العراقيون، نهاية الأسبوع الماضي، بنبأ اكتشاف مقبرة جماعية ضمن مقبرة البومصطفى في المحاويل تضم رفات نخبة من الرجال الذين خدموا العراق وتمت تصفيتهم على يد ميليشيات السلطة المرتبطة بإيران، وما إن عرف بعض أبناء المنطقة الخبر حتى حوصرت المحاويل بالكامل خوفاً من انتشاره على نطاق أوسع.
إنها من دون شك صدمة إنسانية كبرى، لكنها في الوقت عينه، ليست سوى مقبرة من عشرات المقابر التي اقترنت بوجود أحزاب المستوطنة السوداء وميليشياتها، فهي التي ابتكرت أسطورة المقابر الجماعية في عهد ما بعد 2003، الذي يسمونه العراق الجديد، وهي لا غيرها التي أشهرت السلاح وأطلقت الرصاص على العراقيين، طبقا لقوائم أعدتها مسبقاً انتقاماً من كل عالم وأستاذ وطبيب وخبير وعسكري وطيار، بل من كل مواطن وقف مدافعا عن بلده في مواجهة ولاية الفقيه وخدم بلده وأسهم في ازدهاره.
ومازالت ذكريات الجرائم، التي اقترفتها هذه الميليشيات في منطقة المحاويل وجرف الصخر ندية يتداولها العراقيون، ومنها عثور القوات الأمنية على 36 جثة مجهولة الهوية، محشورة داخل أنبوب للصرف الصحي، قرب معسكر المحاويل، في أكتوبر 2014، إذ أعلن مصدر أمني، يومها، أن “قوات الجيش التابعة لعمليات بابل، فوجئت برائحة كريهة غطت معسكر المحاويل، واكتشفت أنبوبا للصرف الصحي خارج المعسكر محشوا بأجساد متفسخة لأكثر من 36 جثة مجهولة الهوية، مكتوفة الأيدي عليها طلقات نارية في الرأس، ويعتقد أنهم مواطنون عزل قتلوا على نحو بشع”.
وظلت تلك المنطقة تشهد الجرائم اليومية وإلى الآن، خصوصاً بعد أن مُنع النازحون من العودة إلى منازلهم في منطقة جرف الصخر المتاخمة لها، والتي اُكتشف فيها سجون سرية للميليشيات المرتبطة بإيران، قبع فيها قرابة الـ4000 مختطف من أبناء محافظة الأنبار وحدها و2000 مختطف من أبناء محافظة صلاح الدين.
لا تقتصر انتهاكات ميليشيا الحشد الطائفي في العراق، الموجهة والممولة من إيران، على اعتقالها للمدنيين وتفجير المساجد وسرقة منازل المواطنين وحرقها، بل تتعدى ذلك لتشكل جرائم حرب صارخة وجرائم إبادة جماعية ضد الشعب العراقي من خلال القتل والتهجير والترحيل القسري للسكان وتجريف الأراضي الزراعية والبساتين، وإتباع سياسة الأرض المحروقة في العديد من المناطق المستهدفة.
ولم يعد هذا الكلام سراً فقد اعترف زعيم جيش المختار واثق البطاط، في لقاء تلفزيوني، بأن 90 بالمئة من العملية السياسية وميليشياتها تديرها إيران. ووفقاً لما يقوله أبناء المناطق القريبة من المحاويل وجرف الصخر فإن جرف الصخر بالذات تحولت إلى معتقل للمختطفين من العراقيين، مشيرين إلى وجود الآلاف من أبناء المناطق التي شهدت احتجاجات معتقلين لدى ميليشيات الحشد لدواع طائفية ومادية.
وأكدوا أن عناصر هذه الميليشيات تنفذ باستمرار حملة إعدامات داخل المدينة لمعتقلين لديها، ثم ترمي جثثهم في الأنهر، وقرب مكبات النفايات خارج جرف الصخر، وغالباً ما لا يعثر على جثث المعدمين، لأن الميليشيات تسكب مادة البنزين على جثثهم وتضرم فيها النيران، بعد تنفيذ الإعدامات الميدانية، بينما يقوم أفرادها بتصوير مقاطع فيديو والتقاط صور تذكارية قرب الجثث وهي تحترق، وهذا مشهد متكرر لمشاهد كثيرة أخرى جرت في مناطق عديدة من العراق، وسط هستيريا طائفية متمثلة بعمليات الإعدام والاعتقال على أصوات الأناشيد الدينية.
ما يجري في العراق يتطلب تدخلا أمميا لإيقاف هذه الانتهاكات المستمرة، وإلا فإن الموت في العراق لن يتوقف طالما بقي السلاح مشهراً وطالما بقيت أحزاب ولاية الفقيه تتحكم في رقاب الشعب مدججة بالأسلحة والأساطير.
د. باهرة الشيخلي - كاتبة عراقية
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال