"الحاجة أم الاختراع".. بهذا بدأ مدير أكاديمية "المعرفة" دريد عبد الحميد حديثه عن المدارس العراقية في إسطنبول والمدن التركية الأخرى، وقال إن ثمة ظروفا موضوعية أدت إلى إنشاء هذه المدارس، أبرزها عامل اللغة واختلاف المناهج وتباين العادات الثقافية بين العراق وتركيا، لكن الأمر تحول فيما بعد إلى مشروع استثماري بسبب غياب البديل النموذجي.
وأثناء تجوله في أروقة مدرسته، أكد عبد الحميد للجزيرة نت أن التجاوب كان كبيرا من جانب الجالية العراقية تجاه المدارس الخاصة بسبب المعايير العالية التي تعتمدها. ففضلا عن طرائق التدريس والأساتذة الأكفاء، تعتمد مدرسته التي حققت المركز الأول بين جميع المدارس في إسطنبول؛ على توفير مناخ ملائم للطلبة كالمختبرات العلمية، والملاعب الرياضية والمطاعم، والعيادات الطبية، وغيرها من وسائل الجذب التي توفر بيئة تعليمية ممتازة.
وأشار في هذا الصدد إلى أن المدارس في إسطنبول أصبحت محطة لتمركز الجالية العراقية بالقرب منها أو في الأحياء المجاورة، وهذه من جملة الأسباب التي جعلت الانتساب إلى هذه المدارس مكلفا قياسا بالمدارس الحكومية سواء في العراق أو تركيا.
الكثير من المدارس لديها ميزة تسمح لخريجيها بالانضمام إلى الجامعات العراقية أو التركية (الجزيرة نت)
تزايد ملحوظ
من يزور إسطنبول يلمس تزايدا واضحا لأعداد العراقيين المقيمين في هذه المدينة وتركيا عموما -خاصة في السنوات الأخيرة- لأسباب عدة، الأمر الذي حتّم قيام العديد من المؤسسات والفعاليات المتناسبة مع تلك الأعداد التي بدأت تسجل حضورها بشكل ملفت إلى جانب الجاليات العربية الأخرى، ومن تلك الفعاليات المدارس العراقية.
ويبلغ عدد المدارس المعتمدة من قبل وزارة التربية العراقية 27 مدرسة موزعة على المحافظات التركية التي يوجد بها أكثر من 700 ألف عراقي. وتضم مدينة إسطنبول خمس مدارس، وهو العدد الأكبر في محافظة واحدة ويتساوى مع العدد الموجود في العاصمة أنقرة.
يقول مدير مدرسة "أمل نينوى" فراس ناجي إن تجربة المدارس العراقية نجحت بامتياز لأنها سدت فراغا تركه نزوح الآلاف من العراقيين بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق شاسعة من العراق وما تلاها من عمليات عسكرية، مشيرا إلى أن الانتقال للدراسة في المدارس التركية لم يكن خيارا سهلا، وسبّب إرباكا لكثير من العوائل التي وجدت في المدارس العراقية فرصة مناسبة لأبنائها، خاصة مع المميزات التي تتمتع بها.
مسجد للصلاة في أكاديمية "المعرفة" (الجزيرة نت)
تعاون تربوي
وعن طبيعة وجود مثل هذه المدارس من الناحية القانونية، يقول مساعد المدير العام للعلاقات الثقافية بوزارة التربية العراقية محمود القيسي إن الضوابط التي تخضع لها هذه المدارس تسري على باقي المدارس خارج البلد، وهي ضوابط نظام التعليم الأهلي والأجنبي رقم 5 لسنة 2013، والتعليمة رقم 1 لسنة 2014 المنبثقة عن هذا النظام.
وأكد القيسي في تصريح للجزيرة نت أن أهم هذه الضوابط هو وجود عدد كافٍ من الجالية العراقية بحاجة إلى فتح مدرسة، وأن يكون مؤسسوها عراقيي الجنسية، وأن يحمل أحدهم مؤهلا تربويا.
وأضاف أن وزارة التربية تعامل المدرسة العراقية في الخارج معاملة نظيرتها في الداخل من حيث الاعتراف بشهاداتها وتقديم طلابها للجامعات الحكومية والأهلية. أما بالنسبة للامتحانات فتُرسل الأسئلة الوزارية إلى المدارس في الخارج بالتعاون مع عدد من المديريات العامة في الوزارة ومع اللجنة الدائمة للامتحانات، وتُجرى تحت إشراف عدد من مشرفي الوزارة يُبتعثون لهذا الغرض.
وأشاد القيسي بالتعاون التركي في هذا الخصوص، مشيرا إلى مذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي مشترك بين بغداد وأنقرة.
نجاح ولكن
وعلى غرار أي مشروع، يختلف تقييم المدارس العراقية سلبا وإيجابا بحسب مقدار الفائدة المتحققة لهذا الطرف أو ذاك. وكمثال على ذلك، تقول الطالبة نور الهدى حسان إن المدرسة العراقية خففت من صعوبة الغربة، لا سيما مع وجود طلبة ومدرسين يمكن التفاهم معهم بسهولة.
كما يرى أستاذ اللغة العربية أنس ناصر أن البيئة التعليمية في المدارس العراقية بتركيا تقترب من المثالية، كما أن الكثير من هذه المدارس لديها ميزة تسمح لخريجيها بالانضمام إلى الجامعات العراقية أو التركية على حد سواء.
على العكس من ذلك، اضطر أبو مهيمن لنقل أطفاله إلى مدرسة تركية بسبب ما اعتبرها تكاليف باهظة للمدارس العراقية مع إدراكه بصعوبة الأمر، بينما قرر مصطفى محمود العودة إلى العراق تحت ضغط هذه التكاليف وعدم قدرة أبنائه على التكيف مع المدارس التركية.
ومما تجدر ملاحظته أن الأعداد الكبيرة التي تضمها جنبات المدارس العراقية في تركيا، قد يشير إلى أن هؤلاء ينحدرون من أسر مرتاحة ماديا، وقد خرجت من العراق بحثا عن حياة كريمة، وليس هربا من الموت فقط.
عدنان العامر-إسطنبول
المصدر : الجزيرة
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال