تمر الذكرى المائة وواحد لتصريح أو وعد بلفور الجمعة الموافق 2/تشرين ثاني/2018، ونحن على اتساع الوطن العربي ما زلنا نهاجم بلفور وحكومته ونحمل الإنكليز مسؤولية ما جرى للشعب الفلسطيني من تشريد وقتل وتمزيق. بلفور ملعون ويستحق كل السباب والشتائم التي تكتنزها اللغة العربية، لكن الألعن منه هم القيادات العربية فلسطينية وغير فلسطينية التي تبنت سياسات من شأنها إضعاف المقاتلين والمجاهدين أمام الصهاينة فينالون منهم ويخرجوهم خاسرين. لقد عززت القيادات قوة الصهاينة، وما زالت حتى الآن تمارس هذا التعزيز.
قيادات فلسطينية تآمرت منذ البدء على حركة المقاومين الفلسطينيين وعلى رأسهم حركة الشيخ عز الدين القسام، ورفضت تقديم الدعم اللازم لها على اعتبار أنها هي القيادة الحقيقية وهي تعرف كيف تتصرف باتصالاتها مع الإنكليز. وتتابعت القيادات الفلسطينية في سياساتها المدمرة إلى أن أوصلتنا إلى اتفاق أوسلو والذي هو أسوأ من تصريح بلفور، وكانت نتائجه كارثية أكثر من نتائج بلفور. وتدرجت القيادات الفلسطينية بتخاذلها إلى أوصلت مطالبنا الآن بأننا لا نقبل بدولة مؤقتة الحدود. كلام في قمة السخافة.
وطبعا هناك هتيفة (الذين يهتفون دائما للخون والعملاء) ومصفقون لكل قيادة، وهم طوابير من المزورين والمبررين الذين لا يهمهم من فلسطين سوى ما تقدمه لهم القيادات الخائبة من أموال وتلبي لهم من مصالح.
أما على المستوى العربي، فقد تآمر منذ البداية أبناء الشريف حسين بن علي مع الصهاينة. فيصل اعترف بحق اليهود بالهجرة إلى فلسطين على الرغم من أنه سحب هذا الاعتراف فيما بعد. وعبد الله بقي صديقا للصهاينة بخاصة جولدا مائير، وارتضى لإمارته ومملكته فيما بعد أن تكون حارسا على حدود الكيان الصهيوني الشرقية. أما القوميون فهم قادة الهزائم والجبروت الظالم ضد الشعوب. هُزم القوميون عبد الناصر والبعثيون عام 1967 وما زالت الأجيال الفلسطينية تعاني من هذه الهزيمة حتى الآن. قادة قوميون لم يكونوا قادرين أو غير راغبين في تطوير جيوش مهنية احترافية وهزمت جيوشها في ساعتين. أما الملك حسين فضعه في خانة تصنيفية لوحده. كان يتظاهر بالحكمة وهو حليف للدول الغربية والكيان الصهيوني. وما زلنا نجد في الشارع العربي من يشيد بحكمة ملك الزمان والمكان.
آل سعود لا يختلفون، وهم الذين نسقوا مع الأمريكيين وقبلوا الدور الأمريكي المشؤوم ضد أهل فلسطين والوطن الفلسطيني. وآل سعود يتبجحون الآن بأن فلسطين من حق اليهود وليس من حق شعب فلسطين.
لو بقي بلفور وقاد السياسة العربية لأشفق وعطف على الفلسطينيين بعض الشيء، ولكان بالتأكيد قائدا أفضل من كل القيادات العربية والفلسطينية. لكن الله عاقب أهل فلسطين وكل العرب المخلصين في الدفاع عن القضايا العربية بقيادات منحطة متآمرة. نحن ما زلنا نسير على خطى بلفور ونسارع له في تحقيق ما خطط له، ولو رآنا لامتدح ما نقوم به من أجل الحركة الصهيونية وكيانها المصطنع. لن يجد الصهاينة قيادات عربية حريصة على إضاعة حقوق الفلسطينيين مثل هؤلاء الأقزام.
فهل يريد شعب فلسطين استرجاع حقوقه؟ إذا كان يريد فإن عليه أولا الإصرار على ظهور قيادات أخلاقية لا تنخرط بالكذب والتدليس والشعارات الفارغة، وتعمل على ترسيخ منظومة أخلاقية فاضلة يتمسك بها كل شعب فلسطين، ويلقي بتأثيرها على الشعوب العربية. وقيادات تقفز عن مصالحها الشخصية وشهواتها وتسهر الليل والنهار من أجل بناء الإنسان الصلب القادر على تحمل الأعباء والأخطار الراغب في تقديم التضحيات. والأهم أن ترفع درجات الوعي الاجتماعي والسياسي والوطني، وان تصمم برامج ثقافية ترتقي بالناس وعلاقاتهم بعضهم ببعض وعلاقاتهم مع قياداتهم.
الخروج من بلفور ضرورة وطنية، ويجب ألا نسترخي أمام كل هذه التطورات المقيتة التي تتغذى على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
فلسطين للشعب وليست لقيادات المساومة والتفريط، ولنرفع رؤوسنا أمام كل الأعداء والمتآمرين.
عبد الستار قاسم
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال