انطلق مشروع سياسي مخزني في المغرب في صيف 1918 يسمى التجنيد الإجباري،وبادرت السلطات الى الشروع في تمرير قانون جديد يخول للسلطة العسكرية ادخال الشباب الى صفوف القوات المسلحة بدون اختيارهؤلاء الشباب للإنتماء الحر لصفوف العسكر،ويظهر من كلمة " الإجباري"أنه قبل كل تفصيل فيتحليل الموضوع أن التجنيد فيه نوع من الإكراه..
رغم أن الا لتحاق بمهنة العسكر يمكن أن يفتح فيه موضوع التجنيد لمن يريده،وتمارس فيه قاعدة تكافؤ الفرص،بدون إجبار، كما هو الحال في البلدان التي تبني سياستها على مبادئ حرية الإختيار، وهنا يطرح سؤال هل رفض شباب البلد الإنتماء الى العسكر بعدفتح باب التجنيد لهم كوظيفة عادية مثل جميع الوظائف العامة؟ ولو لمدة ة محدودة،مثل مدة 12شهرا التي يفرضها مشروع التجنيد الإجباري المقصود هنا،ولو فتح باب الانتماء للتجنيد الإختياري لكانت الوظيفة عادية،لايمكن أن تعتبر توظيفا يهدف الى فرض التجنيد كوسيلة للتحكم في أجسام الشباب وعقولهم،ولماتعرض للشكوك والنقد لنوايا السلطة،وهنا تبرز فكرتان هما السرعة التي سلكتها السلطات في تمرير هذا المشروع ، وهي تحرم المجتمع من الوقت اللازم لدراسة المشروع ،والإ تجاه في التطبيق الى الإكراه.
لاشك أن تتبع التاريخ العسكري لمغرب مابعد سنة 1956 سيتذكر أن التجنيد الإجباري ظهر بالمغرب في ظروف التحضير للمحاولة الإنقلابية لعاشريوليوز 1971عندما انتشرت الإحتجاجات والإضرابات الطلابية والتلاميذية، وتم اتخاذ إجراءات التجنيد الإجباري لمناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وسياقة العشرات منهم الىمدرسة هرموموHermommou التي كان يديرها الكولونيل الريفي محمد عبابو المشهور في قيادة طلبة المدرسة الى الهجوم على قصر الصخيرات أثناء حفلات عيد الشباب....
وأتذكر شخصيا تجنيد النقيب عبد الرحيم الجامعي المحامي المعروف، ومحد الخصاصي سفير المغرب سابقا بسوريا،ويمكن الاستعانة بشهادات عبدالكبير البزاوي، النقابي المعروف في صفوف الكونفدراليةً الديموقراطية للشغل، وَعَبَد اللطيف الدرقاوي الذي كان في اللجنة التنفيذية للمنظمة الطلابية ومن مؤسسي المنظمة الثورية السرية "لنخدم الشعب" وكثير من جيل شباب وطلبة فترة 1971-1972 مثل فتح الله والعلو،وَعَبَد اللطيف المنوني،والبشيري،وفوكيك،والموساوي المحامي بوجدة والصحافي عبد اللطيف منصور وَعَبَد المنعم الديلمي....
ومن الضروري منهجيا لفهم التجنيد الإجباري بالمغرب لسنة 2018 الرجوع الى التجنيد الإجباري لسنة 1971-1972 والمرور منهجيا من مرحلة التجنيد الإجباري وأسبابها ونتائجها في الماضي، بعد مرورحوالي 41 سنة ،والعدول عن التجنيد العسكري الإجباري الى مشروع بديل كان يعرف في المغرب بالخدمة المدنية الإجباريةService civilالذي ظهر بعد تخطيط المخزن لإدارة الشؤن العسكرية والمدنية بعد المحاولتين الانقلابيتين،وفتح السجون السرية مثل تازمامارت.....
وتحتاج مرحلة التجنيد الإجباري الى نوع من المعرفة والثقافة السياسية والعسكرية لايوفرها التعليم المخزني،ويضطر المفكرون الأحرار الى توفيرها وهي مهمة مطروحة عليهم،لكي لايسقط الشعب في محنة عسكرة ومخزنة الشباب.
كانت الخدمة المدنية الإجبارية عامة وشاملة لجميع الشباب بالمغرب بعد تخرجه من الجامعات والمعاهد،في فترة نفوذ المخابرات المدنية المكونة من الأجهزة الأمنية التي اشتهر على رؤسها المنتمون لأجهزة أنواع المخابرات غير العسكرية مثل ادريس البصري وعلابوشً،والعشعاشي،ومحمد المديوري......،وانتهت بوفاة الجينيرال احمد الدليمي سنة 1983،ثم بعد ذلك تم إلغاء العمل بالخدمة المدنية والعسكرية معا،وخلق رديف من الشبيبات الحزبية المكلفة بإدماج الشباب في إطار تنفيذ السياسة المخزنية لكنها فشلت مع انتشار حراك الشباب غير المتحزب وظهور مصطلح الدكاكين السياسية في الساحة الحزبية......
ومن الضروري ايضا منهجيا استحضار تجربةً قوانين التجنيد الإجباري للشباب في مرحلة مابعد سنة 2011 أي مابعد الثورات التي قادها الشباب في مصر وتونس وليبيا وظهور حركة 20 فبراير2011 في المغرب، ونخص بالذكر تجربة انقلاب عسكر مصر على حكم الإسلاميين، وإقرار الإنقلابيين للتجنيد العسكري، بأشد أنواعه،ونقصد أنً منهجية المقارنة تقتضي دراسة هذا النوع من التجنيد في مصر الذي ربما يحاول الحكم المغربي تقليده في مواجهة حراك الشباب ،وخاصة بعد انتشار شعار "لا لا للعسكرة"في صفوف حراك الريف، وامتداده الى مناطق أخرى في المغرب، وربما فهم منه المدبرون للسياسة المخزنية نوعا من التنافر بينالعسكر والشعب، وهو اُسلوب تقارب بينهما، ممايطرح معه سؤال هل التجنيد الإجباري هوسياسة مدنية حكومية،أم هو سياسة عسكرية؟وهل هو نوع من إطلاق يد العسكر في صفوف المدنيين الشباب،أي بداية لعسْكرة الشعب، وذلك بعد إحالة كبار شيوخ ضباط الحكم مثل حسني بنسليمان وعروب والعشرات منأمثالهم على التقاعد خاصة في ظرفية 2016-2018، التي ستعرف تاريخيا بأنها فترة الحراك الشعبي .
لاشك أن التجنيد الإجباري مطروح ميدانيا بالنظر الى عدد القوات التي استخدمت لمواجهة حراك الريف والتي تذهب بعض التقديرات الى كون عددهايقارب أربعين ألفا ،واستهلك ميزانية تشير اليها مرافعات محامي الدولة في ملف معتقلي الريف بأنها تبلغ حوالي 24مليار سنتيم خلال الممتدة مابين اكتوبر 2016-2018وأنتكاليف العمليات العسكرية تحتاج الى جيش المجندين إجباريا ،أي الجيش الإحتياطي لقمع أنواع الحراك الذي بدأت رقعته تتجاوز قدرات الجيش النظامي الدائم...
وتدخل ظاهرة التجنيد الإجباري للشعب في سياسة الإستعداد للحرب،وعدم الثقة في السلم الذي يسيره المدنيون، وفتح باب ممارسة العسكر للتعامل مع الشعب لأنه يتمكن من احصاء الشباب المؤهل صحيا وأخلاقيا لخوض الحروب والتدريب عليهاممايفتح الطريق لتدخل العسكر في السياسة ،والإطلاع على أحوال الأسرعن طريق دراسة ملفات التجنيد الإجباري....
هذه إشارات الى نقاط تتطلب كثيرا من الجهد والتوضيح من اجل رصد ظاهرة التجنيد الإجباري في عمقها التاريخي وعواقبها الحالية والمستقبلية.
احمد الدغرني
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال