أنا اليمني المقهور في الداخل والخارج، أنا اليمني الذي يحمل إرثا أثقل من حجمه، طويلا ثقيلا لا أطيق به حراكا!
أنا الذي يشرح لي تاريخي "الهمداني" و"نشوان" و"الإرياني" و"الفرِح"، وأنا الذي وُسمتْ أن الحكمة يمانية والفقه يمان، فكان "الشوكاني" و"المَقْبَلي" و"الجلال"!
أنا أشكو منذ غنائية عبد يغوث الحارثي، وحتى مولانا البردّوني، مرورا ببكر بن مرداس ووضاح اليمن ويزيد بن مُفَرِّغ الحميري وغيرهم.
أنا أنا بآفاقي وأخيلتي، بل بحزني ومأساتي التي أحملها على ظهري طوال هذه القرون الطويلة، منذ الانقلاب الأموي على الخلافة الراشدة، بل منذ سقيفة بني ساعدة التي سلبت اليمنيين حقهم. ومع ذلك، ظلّوا أوفياء للدعوة المحمدية التي تخلّى عنها الآخرون، وتاجروا بها، ومن أجلها ذبحوا بعضهم بعضا، وبقيت أنا اليمني الحزين أحمل الجرح الطويل لوحدي وأتحمّل تبعات الآخرين.
تم عقاب اليمن على يد الأمويين، لأنهم وقفوا مع الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وكأن الأمويين يذكرون بيت الإمام الشعري: "ولو كنتُ بوّابا على باب جنةٍ.. لقلتُ لهمدانَ ادخلوا بسلامِ"، أم أنهم يذكرون سجدة النبي الكريم، شكرا لله لمّا جاءه خبر إسلام همدان، وقوله: "السَّلَام عَلَى هَمدَان" مرتين، في حين يقول في موضع آخر: "اللهُمَّ! اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ!"
أي ذنب جنيت؟ إن قباحات الآخرين ليست مسؤوليتي لأعاقب عليها!
ولما أفَلَتْ دولة بني أمية، خلفتها دولة بني العباس التي يقول كبيرها هارون الرشيد لعامله على اليمن، حمّاد البربري: "أسمعني أصوات أهل اليمن"، فأسمعه أنين سكان صنعاء ودموعهم! ما ذنبنا الذي جنيناه؟
ورث اليمنيون كل هذه الأحقاد التي تنفجر اليوم أمام وجوهنا، وشارك أبناء جلدتنا (من السياسيين الأوغاد) في تعميق جروحنا، وكأن ستينيات القرن العشرين لبست رداءها الدموي من جديد، وراحت تكوّر الجغرافيا اليمنية ككرة بين أيدي اللاعبين! فهل قدرنا أن نجترّ تاريخنا، وكأنّنا نركب آلة زمن ضلّت الطريق في مجرى الزمن فظلت تراوح في الحلقة المفرغة نفسها، كفيلم هابط يتم تكراره؟
نجد أن التاريخ اليمني المعاصر والقريب منه يعاود نفسه كثيرا، حتى يُظن أن استنساخ الأرواح شغالٌ على هذه الأرض، فلماذا على اليمنيين أن يعيدوا الرواية نفسها كل مرة، مع اختلاف الممثلين فقط؟ السيناريو واحد، بل والمخرج واحد؟! لماذا؟
أنا اليمني يا حزن اليماني، ويا هوان اليماني في الداخل والخارج.
هوانه وهو يرى كل يوم سحب الغبار وبقايا الانفجارات تحمل أحلامه وتطوّح بها بعيدا، والساسة يغرقون في المزايدات، والمنظّرون يُغرقوننا في التحليلات، وتستمر حكايات الموت في كل أرجاء هذا البلد المتهالِك، حتى أصبحت الحياة في اليمن نوعا من المساومة، فمتى يستيقظ الناس من هذا الكابوس؟
أخيرا، يقول الشاعر أحمد مطر: "وقلْ ربِ ضاقتْ/ ولم يبقَ إلاكَ.. والأمرُ لكْ
عبدالحفيظ العمري - اليمن
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال