أحزاب المعارضة يقتصر نشاطها على المناسبات، عبر طرح نفسها للاحتجاج لغاية الاحتجاج أو كبديل لحكم البلاد دون طرح تصوّرات مبنية على فكر ورؤى وتصوّرات.
رغم أن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد ظهر، في الكلمة التي ألقاها الثلاثاء، في قلب المعركة واثقا ومدججا بأسلحة ضغط تمكنه إلى حد الآن من مواصلة مهامه بأريحية وبارتكازه على دعم جزء هامّ من الكتل البرلمانية التي قد تعبّد له الطريق مجددا، أو عبر تسلحه بورقات ضغط دولية كصندوق النقد الدولي أو إيحاءاته بإمكانية كشف كواليس الحرب على الفساد، إلا أن المشهد السياسي ازداد قتامة ليجد الفاعلون الرئيسيون، بمن فيهم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أنفسهم في مأزق يصعب فك رموزه.
ولا يدل توجّه تونس إلى شبح المجهول عبر أزمة سياسية خانقة تلوح في الأفق، إلا على عجز الطبقة السياسية برمّتها بما في ذلك المعارضة على طرح نفسها كخيار حقيقي قد يثق فيه الشعب ويمنحه صكا على بياض لإدارة البلاد.
وبالتزامن مع قصور أحزاب الائتلاف الحاكم وبقية الأطراف المشاركة في مفاوضات قصر قرطاج التي يديرها الرئيس الباجي قائد السبسي والتي أفضت إلى طريق مسدود ومحفوف بالمنزلقات عقب تعليق العمل بوثيقة أولويات الحكومة أو “اتفاق قرطاج” بسبب العجز عن اتخاذ قرار موحّد بشأن مصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لا يبدو أن أحزاب المعارضة قادرة في المقابل على تقديم أي بديل لإخراج تونس من مطبّات سياسية قد تفاقم أزماتها.
وعلى كثرة الأحزاب المعارضة في البلاد، والتي يتجاوز عددها مئتي حزب، لا يلمس المتتبع لسيرورة التطورات السياسية في البلاد أي مواقف أو بوادر تفكير حقيقي صادرة عن أحزاب الصف المعارض التي اكتفت بتقديم تشخيصات باهتة للوضع الراهن.
ورغم خطورة الوضع الحالي، بدت أحزاب المعارضة وفي مقدّمتها الجبهة الشعبية أو حركة مشروع تونس غير قادرة على التخلّص من أعبائها الأيديولوجية، لسبب بسيط هو أنها رهنت نفسها وخياراتها في مربّع ضيّق لا هدف له سوى مخاصمة حركة النهضة الإسلامية دون الغوص في المشاكل العميقة للبلاد، وهو ما جعلها غير قادرة على تقديم تصوّر عملي يجعل الناس يتجنّدون حولها أو يدافعون عن مشاريعها.
قصور أحزاب المعارضة متأت بالأساس من اقتصار دورها فقط على مواصلة رفض ما أنتجت صناديق الاقتراع في 2014..
أما في ما يخصّ بقية الفصائل الأخرى وليدة الثورة أو سليلة الإخوان المسلمين في جزء كبير منها كحزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي، فيبدو أنها لم تدرك أن خطاباتها الشعبوية قد استهلكت وأنّ رصيدها نفد، لتجد نفسها عاجزة وسط مشهد مرتبك على أي خلق أو إبداع سياسي مغاير بعيد عن أطروحات “الثورة والثورة المضادة” التي أصمّت بها آذان التونسيين منذ عام 2011.
كما أثبتت كل الهزات السياسية التي عرفتها البلاد عقب انتخابات 2014 بإقالات الحكومات أو تقديم مبادرات سياسية كانت جلّها من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي، أن أحزاب المعارضة يقتصر نشاطها على المناسبات، عبر طرح نفسها للاحتجاج لغاية الاحتجاج أو كبديل لحكم البلاد دون طرح تصوّرات مبنية على فكر ورؤى وتصوّرات.
وقصور أحزاب المعارضة متأت بالأساس من اقتصار دورها فقط على مواصلة رفض ما أنتجت صناديق الاقتراع في 2014، ليثبت في نهاية المطاف أن الديمقراطية التونسية الناشئة تفتقد لأحد أهم أضلاعها المتمثل في وجود معارضة بنّاءة قادرة على احتواء الأزمات، حتى وإن كانت خارج لعبة السلطة ومراكز النفوذ.
وبنفس الطريقة التي تورّط فيها حزبا الحكم نداء تونس والنهضة في ضيق الخيارات القادرة على تقديم برامج تنقذ البلاد من أزمتها، فان أحزاب المعارضة علاوة على فقدها لرؤى سياسية واضحة ومستقبلية، فإنها غارقة في حسابات سياسية ضيقة ولا تكتنز في جرابها سوى غاية واحدة هي الإطاحة بالخصوم مهما كانت الوسيلة أملا في نيل السلطة.
وتؤكد كل هذه الإرهاصات أن المعارضة التونسية المقتصرة في تصوراتها للمرحلة المقبلة على مجرد بيانات سياسية ضعيفة، لا يمكن لها أن تتحرّك خارج الاحتماء بمربع الاتحاد العام التونسي للشغل.
فمنذ انخراط المنظمة النقابية في الفعل السياسي بانضمامها إلى وثيقة قرطاج رفقة أحزاب الحكم، بقيت المعادلة السياسية في البلاد مشلولة ومختلة، بل مرتكزة فقط على أحزاب حكم لا تقابلها أحزاب معارضة مما يقوّض المسار الديمقراطي الحقيقي الذي تصبو إليه البلاد وينذر بفشل الخطوات الأولى له.
وسام حمدي - صحافي تونسي/العرب اللندنية
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال