يكاد يكون غالبية السياسيين والاعلاميين يعتقدون، أن عبد الإله بنكران رئيس الحكومة السابق، أول من بادر لإطلاق شعار " عفا الله عما سلف"، في حين استخدمه علال الفاسي منذ أزيد من 45 سنة ، لكن ليس بغرض المطالبة بالتوقف عن مطاردة المفسدين ومحاربة الفساد، ولكن لانتقاد لجوء حكومات بدايات السبعينات لهذا الشعار كوسيلة لوقف متابعة ومحاكمة مسؤولين في قضايا الفساد.
وإذا كان شعار " عفا الله عما سلف" قد أطلقه عبد الاله بنكيران من موقعه كرئيس للحكومة في حوار مع احدى القنوات الفضائية العربية، فإن علال الفاسي على النقيض من ذلك، عبر عن هذا الموقف من موقعه في المعارضة التي كانت تمثلها آنذاك " الكتلة الوطنية" المكونة من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وذلك في معرض انتقاده للحكومات المعينة ما بين 1970 و1972 التي كانت تستعمل هذه المقاربة لحماية بعض المتورطين في ملفات فساد. غير أن استخدام شعار " عفا الله عما سلف" كانت تطبيقاته الأولى مباشرة بعد الحصول على الاستقلال، بعد أن لجأ ت الدولة الى اتخاذ قرارات العفو على متعاونين مع الاستعمار كانت الحركة الوطنية تطلق عليهم وصف " الخونة".
وقد ساهمت المتغيرات المتسارعة التي طالت وسائل الاعلام ووسائط الاتصال في العصر الرقمي، في انتشار هذا الشعار على نطاق واسع والذى عبر خلاله ينكيران عن عدم نيته كرئيس للحكومة متابعة الفاسدين والمفسدين. وقال في هذا الصدد أنه لم يأت للحكومة حاملا "مصباحا ويبحث عن المفسدين في أركان الدولة" مقرا باستحالة "محاربة اقتصاد الريع أو القضاء على الفساد، لأنه ميدان صعب ومعقد وغير منتج" . وفي مقابل ذلك استعمل علال الفاسي شعار "عفا الله عما سلف" ليس ل "مطاردة الساحرات"، وانما لمعارضة وقف المتابعات والمحاكمات التي يكون أبطالها مسؤولين حكوميين متورطين في الرشوة.
وفي معرض تحليله للوضعية السياسية التي عرفها المغرب خلال هذه المرحلة أي منذ أول انتخابات تشريعية والي غاية تفجر الازمة، بعد محاولتي الانقلاب بالصخيرات في 10 يوليوز 1971، وحادث الطائرة الملكية في 16 غشت 1972، اعتبر علال الفاسي في نفس السياق ، لأن الحادثين معا كانا في حقيقة الأمر تفجيرا للأزمة ومظهرا لها، ولم يكونا الازمة نفسها.
وقد توجت مواقف علال الفاسي بعد هذه الأزمة برفض حزب الاستقلال المشاركة. في حكومة ائتلافية تم تكليف أحمد عصمان بتشكيلها ، لعدم الاستجابة الى مقترحات الحزب التي ضمنها في رسالة جوابية على العرض الذى قدمه الملك الراحل الحسن الثاني للهيئات السياسية للمساهمة في الجهاز الحكومي. من هذه المقترحات تكوين حكومة وطنية منسجمة محرزة على ثقة الشعب، متمتعة بجميع السلط، قادرة على تحمل المسؤوليات في الظروف الحرجة التي تجتازها البلاد، يشكلها وزير أول يعينه الملك، يحظى بثقة الوطنيين ويختار وزراءه من اللذين برهنوا دائما عن نزاهتهم واخلاصهم لبلادهم واللدين لم يتورطوا في الزج بالمغرب في السياسة التي كانت تودي به، ولم يتحملوا مسؤولية الفساد والتزوير الذى ساد منذ 1963.
وكانت "الكتلة الوطنية"، قد دعيت في نوفمبر 1971، بعد محاولة الانقلاب الأولى، لبحث أسباب الأزمة وعناصرها والوسائل الفعالة لإصلاح الاوضاع. وكانت محادثات طويلة بين الملك الحسن الثاني، ووفد عن الكتلة الوطنية تستهدف التغيير الجذري للاوضاع، حيث كان برنامج العمل الذى اتفق عليه في الجملة، يتمثل في تعديل الدستور، بعد تأليف حكومة وطنية لمعالجة الأزمة، وتكون هذه الحكومة من الكتلة الوطنية، والغاء برلمان 1970، والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية سريعة لاسترجاع ثقة الشعب وحماسه، الا أن الكتلة رفضت في أبريل 1972، المشاركة في الحكومة الجديدة، بدعوى أنها ليس من شأنها القيام بالإصلاحات الجذرية التي حددتها الكتلة في المحادثات الطويلة التي استغرقت نحو خمسة أشهر، وأسدل بذلك الستار عن المظهر العلني للأزمة السياسية لتتفجر من جديد بعد حوادث الطائرة في 16 غشت 1972 حسب ما جاء في تحليل لحزب الاستقلال.
جمال المحافظ كاتب صحفي - موقع لكم
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال