تعددت المبادرات في الجزائر سابقا واليوم من أجل إخراج الجزائر من مأزق سياسي مزمن بدأ منذ الإنقلاب الأول على الشرعية أثناء أزمة1962، وهذا المأزق تطور حتى أصبح اليوم ورما خطيرا يهدد الدولة والأمة الجزائرية التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء، لكن لم تلق هذه المبادرات أي تجاوب شعبي، وبقيت محصورة في وسائل الإعلام، فحتى النظام لم يوليها أي إهتمام، لكن لم يسأل إطلاقا أصحاب هذه المبادرات ودعاة تغيير النظام عن أسباب ذلك.
أولا- أسباب تجاهل الشعب كل مبادرات الحل
فليعترف هؤلاء أن مبادراتهم هي مجرد مقترحات عامة وغامضة الأهداف والمضمون، فليدركوا أن الشعب الجزائري فقد ثقته في الجميع، لأنه تعرض للخداع عدة مرات، فحتى بعد طرده للإستعمار الفرنسي استفادت المجموعة التي أخذت السلطة في 1962 على حساب الآخرين، بما فيهم الذين أشعلوا فتيل الثورة ذاتها في 1954 الذين تم محوهم من كتب التاريخ ونفيهم إلى الخارج وتصفية آخرين منهم، كما روجت أكاذيب عنهم يندى لها الجبين، ونرى اليوم نفس الممارسات عند بعض قيادات أحزاب تدعي المعارضة، وتطرح مبادرات، لكنها لاتتوانى على ترويج أكاذيب حول كل معارض أو منتقد لبعض ممارساتها، فهذه القيادات الحزبية تكرر للأسف الشديد نفس ما كان يفعله النظام مع زعماء كبار معارضين له، فإن كان مناضلو هذه الأحزاب يصدقون هذه الأكاذيب التي تروجها هذه القيادات المدافعة عن مصالحها الخاصة، فلما لا يصدقون أو يلومون الذين صدقوا أكاذيب النظام حول معارضيه كحسين آيت أحمد وبوضياف وخيدر وكريم بلقاسم وغيرهم، فمن غير المعقول أن يسير الشعب في مبادرات هي مجرد شعارات وفي أقصى تقدير مجرد عموميات دون تفصيل مضامينها وميكانيزماتها، ولايعرف حتى أهدافها، وما تحققه له من مكاسب على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ومن حقه أن يسأل هل هي مبادرات ومقترحات لخدمة الشعب والأمة كلها أم هي لخدمة مجموعة سياسية أو طبقية أو أيديولوجية وغيرها؟، أليس من حقه أن يشك بأن أغلب السياسيين والأحزاب وأصحاب هذه المبادرات لا تستهدف إلا إستبدال تسلط مجموعة بتسلط مجموعة أخرى؟، خاصة وأنه يرى بأم عينيه ما يحدث من فساد مالي وسياسي وأخلاقي داخل الأحزاب وخارجها ومن أغلب الذين تولوا مناصب سواء بالإنتخاب أم بالتعيين، أليس من حقه أن يشك في أصحاب هذه المبادرات عندما يجد مبادرات متشابهة من عدة أحزاب، لكن كل حزب يريد أن ينسبها إليه، ويقصي الأخرى بدل جمع كل جهود هؤلاء، طبعا الهدف غير مخفي على الشعب بأن ذلك وراءه أنانية حزبية ضيقة جدا، بل يذهب أبعد من ذلك، فهو مقتنع بأن سببها رغبة كل حزب تحقيق مكاسب مادية ومعنوية لقياداته، وآخرها كانت تهمة بوكروح لكل من طالب الإبراهيمي وبن يلس وعلي يحيى عبدالنور، أنهم قد سرقوا منه مبادرته وفكرته.
أن مبادرة نورالدين بوكروح الداعية لثورة سلمية لتغيير النظام في الجزائر، لكن لم يجيبنا من سيقوم بذلك، والشعب غير مهيكل في الأحزاب الضعيفة جدا، وسيثورون من أجل ماذا؟، فهل إسقاط النظام كاف للتغيير الإيجابي أو نحو الأفضل للجزائر، فما البديل لهذا النظام؟، وهل هناك من هو قادر على تأطير الشعب؟، ألم نجرب ما سمي ب"الربيع العربي" أين تحولت دول عديدة إلى مجرد أنقاض؟، فمن يضمن لنا أن لايخرج علينا مرة أخرى ما نسميهم ب"مثقفي وسياسويي العصبيات" المتمثلين في المتاجرين بالعصبيات الدينية واللسانية والأوهام العرقية وغيرها، فيسرقوا هذه الثورة السلمية، فيدخلوننا في فوضى بسبب عصبياتهم، كما يحدث دائما في تاريخنا؟، ونجد دعوة مشابهة لشخصيات ساهمت في تعفين الوضع أثناء تواجدها في السلطة بإستثناء علي يحي عبدالنور، ونجد من ضمنهم طالب الإبراهيمي ورشيد بن يلس، ولم تكن دعوتهم -حسب ما يبدو- إلا تصفية حساب مع الرئيس بوتفليقة لأسباب شخصية لا أكثر ولا أقل، ولو طبقنا المادة102 ماذا سيحصل؟ هل سننتقل إلى نظام ديمقراطي فعلي؟، أنا أصارح قرائي، بأن حتى الأحزاب التي تدعي أنها ديمقراطية لو وصلت إلى السلطة، ستقوم بأبشع مما قام به النظام، وقد عرفنا ممارساتها داخل الأحزب ذاتها، فالثقافة الديمقراطية غائبة تماما في الجزائر، وكي تسود هذه الثقافة في المجتمع يجب علينا الخروج من المجتمع ما قبل السياسي الذي لازلنا نعيش فيه، وهو ما يتطلب ثورة في الذهنيات، لكن يصعب تحقيقها دون ثورة إجتماعية وصناعية وعلمية وتكنولوجية عميقة، وبتعبير علم إجتماع الثورات والتغييرات نقول بضروة وشرط تغيير البنى الفوقية المتمثلة في قوى الإنتاج التي بدورها ستغير البنى التحتية المتمثلة في الثقافة والسلوك والأخلاق وشكل الدولة وغيرها، وسنعود لهذا الموضوع عند تطرقنا لشروط إستمرارية وديمومة النظام الديمقراطي.
أن غياب الممارسات الديمقراطية داخل الأحزاب يدفعنا إلى القول: كم نحن اليوم بحاجة إلى علماء إجتماع في مستوى الفرنسي موريس دوفرجيه أحد أبرز المختصين في دراسة الأحزاب السياسية، ويقوم هؤلاء بدراسات وبحوث جادة للإجابة عن إشكالية عويصة نعيشها وهي : لماذا الأحزاب السياسية في الجزائر بكل توجهاتها، تكرر نفس ممارسات النظام الذي تعارضه وتنتقده، إن لم تكن تكررها بشكل أبشع منه، لكن بشكل مصغر، أي على مستوى الحزب؟، وستستهدف هذه الدراسات رسم خريطة طريق لإعادة بناء هذه الأحزاب على أسس صحيحة وسليمة، فهذه الممارسات تعد أحد أسباب ضعف الأحزاب وإستقالة المجتمع، خاصة النخب عن العمل السياسي، مما يشكل خطرا كبيرا على مستقبل الجزائر في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة، ففي حالة نشوب إضطرابات، لن نجد أحزابا ومجتمعا مدنيا تؤطر الشعب، فتنهار الدولة نهائيا، وندخل في فوضى مزمنة، كما يمكن أن يؤدي بنا هذا الفراغ السياسي إلى إقامة نظام أكثر شمولية، إن لم نقل فاشيا، ونستند في ذلك على دراسات الألمانية حنا آرندت حول نشأة الأنظمة الشمولية.
ثانيا- خطوات إنتقال ديمقراطي سلمي من القاعدة إلى القمة
يسير النظام في الجزائر بالبلاد إلى الهاوية، لأنه لم يجد معارضة قوية ومنظمة بإمكانها إيقافه عند حده ودفعه في الإتجاه الإيجابي، فالمعارضة ضعيفة جدا، ولهذا النظام لايسمع لها ولا لإقتراحاتها، فإنقاذ الجزائر سلميا له حلين لا ثالث لهما وهما: إما تشكيل جبهة وطنية قوية، تلغي كل الأحزاب شبيهة بجبهة التحرير الوطني في1954، لكن هذا الأمر صعب جدا تحقيقه، أما الحل الثاني، فهو إعادة بناء الأحزاب السياسية وتقوية نفسها من جديد بعد التآكل الداخلي التي أصابها بحكم عدة أسباب، وعلى رأسها ضعف إن لم نقل إنعدام الآليات الديمقراطية التي تحل التناقضات الداخلية لهذه الأحزاب، فهل يمكن لنا الدعوة إلى إجماع وطني، وهو منعدم أصلا داخل الأحزاب ذاتها، وهو مايتطلب أولا إعادة بناء إجماع بداخلها، وذلك بإعادة كل مناضليها وإطاراتها المنسحبة من قبل لأسباب شتى وضم مناضلين آخرين مؤمنين بأفكار الحزب فعلا، ولا يرون فيه مجرد مركوب للترقية الإجتماعية، ويتم ذلك كله في إطار مؤتمر جامع، يضع الآليات الديمقراطية لحل كل تناقضاتها الداخلية، وتبدأ المؤتمرات الجامعة من هياكلها القاعدية على مستوى البلديات ثم الولايات قبل أن تصل إلى المؤتمر الوطني الجامع، فلنعلم أن أغلب الإنسحابات من الأحزاب سببها الرئيسي هو غياب هذه الآليات الديمقراطية أو رفض تطبيقها، فبعد ما تتقوى هذه الأحزاب، وتقوم بمصالحة بداخلها عليها في مرحلة ثانية القيام بمصالحة مع عائلتها الأيديولوجية والفكرية، وتشكل معها تكتلا قويا، ولما لا جبهة واسعة، وفي مرحلة ثالثة تتفاوض مع نقيضها الأيديولوجي بهدف التوصل إلى إتفاق حول المباديء الديمقراطية وإعتراف كل طرف بالآخر،لأننا بذلك سنلغي نهائيا السلاح الذي يستخدمه النظام منذ1962، والمتمثل في سياسة فرق تسد بين القوى المتناقضة أيديولوجيا وضرب بعضها ببعض، فكلما تقوى تيار أيديولوجي أضعفه النظام، وقوى التيار المناقض له، كي يبق النظام دائما هو السائد، فبعد التفاوض بين العائلتين الكبيرتين، فبإمكانها أن تتوصل إلى عقد فيما بينها، وهو ما يسمح لنا بدخول المرحلة الأخيرة، وهو التفاوض كجبهة وطنية واحدة ومن موقع قوة مع النظام، لأن النظام لايعترف إلا بالضغط عليه، فهنا يمكن التوصل إلى إتفاق بين قوى المعارضة والنظام، يستهدف نقل الجزائر سلميا إلى نظام ديمقراطي تعددي فعلي دون إقصاء لأي طرف بما فيها عناصر النظام، ويعود بالفائدة على جميع الجزائريين.
لكن في حالة فشل المفاوضات مع النظام، فعلى كل المعارضة أن تقدم مرشح واحد للرئاسيات، ويتم إختياره من ضمن الأكثر إيمانا بالديمقراطية، وينبذ كل أشكال الإقصاء، أي يكون محل ثقة كل التيارات الأيديولوجية والقوى السياسية والثقافية، فتواجه به مرشح النظام، فيقوم الرئيس الجديد في حالة إنتخابه بعد تجنيد الشعب وراءه بتطبيق ورقة الطريق التي أتفقت حولها كل قوى المعارضة، والمتمثلة في تنفيذ خطوات عملية إنتقال ديمقراطي في الجزائر أثناء عهدته الرئاسية، كما فعل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وإن فشلت هذه المحاولة، فبالإمكان إستغلال إنتخابات قادمة لمجلس وطني شعبي بتقديم قائمة واحدة لهذه الجبهة المشكلة لكل قوى المعارضة في كل ولاية، وبذلك بإمكان نوابها تحويل المجلس الوطني إلى مجلس تأسيسي يضع دستورا توافقيا ينقل الجزائر نهائيا إلى نظام ديمقراطي فعلي.
ثالثا- شروط نجاح مشروع الإنتقال الديمقراطي
نعتقد أنه لايمكن نجاح أي إنتقال ديمقراطي وإستتبابه لمدة طويلة في بلد مثل الجزائر أو غيره من دول منطقتنا دون ثلاث شروط أساسية يجب أن تعيها كل القوى الديمقراطية، ويأتي على رأسها ضرورة إرتباط المسعى الديمقراطي بالعدالة الإجتماعية، لأن غياب العدالة الإجتماعية عادة ما تحول إلى سلاح في يد مغامرين للقضاء على الحريات الديمقراطية وذلك بدعم شعب لم تعطيه الديمقراطية والحريات الخبز والحياة الكريمة، لايكفي أن يكون العدالة الإجتماعية مجرد شعارات جوفاء فقد فيها الإنسان الجزائري أي ثقة، فهو يريد أن يعرف: كيف ستحقق له هذه العدالة الإجتماعية؟ كيف سيشعر بأن الدولة هي دولته، وليست دولة مجموعة أو حزب أو طبقة إجتماعية معينة؟.
فهنا تأتي ضرورة طرح فكرة جديدة وواضحة يعيها كل مواطن، ويسعى ويناضل لتحقيقها عمليا، فالجزائري لايؤمن بالديمقراطية المتعارف عليها اليوم، لأنه يراها أنها في خدمة نخبة محدودة ولاتعود عليه بفوائد ملموسة سياسيا وإجتماعيا، ومادام أن الأزمة في الجزائر هي أزمة سياسية، وليست إقتصادية كما يعتقد، وهي نتاج الإنقلاب على المؤسسات الشرعية للثورة وإنعكاساته الكارثية على الجزائر في 1962، فهذا يتطلب إصلاح هذا الخطأ الفادح الذي وقع منذ55سنة، ونعتقد أن إصلاح الخطأ، يبدأ بوضع آليات ديمقراطية حقيقية إضافة إلى إعطاء السيادة فعليا لكل الأمة الجزائرية عبر مؤسستين هما: مجلس شعبي وطني منتخب فعلا، وكذلك مجلس الأمة، لكن بتغيير مكونات هذا الأخير وتحويله إلى مجلس شبيه بالمجلس الإقتصادي والإجتماعي تمثل فيه كل شرائح وفئات المجتمع بواسطة الإنتخاب، لكن له سيادة شعبية حقيقية، خاصة في مجال التشريع وسن القوانين، فهو بمثابة مجلس يجسد عمليا سلطة وسيادة الأمة التي يجب أن تكون هي السلطة العليا في البلاد، فالجزائر في حاجة ملحة اليوم لإعادة الدور الإجتماعي للدولة، كما سطرتها أهداف ثورتها التحريرية في 1954، وكي يتحقق ذلك،علينا الذهاب إلى جوهر المشكل الإجتماعي، ونطرح حلا جذريا للمسألة، ويتمثل في المطالبة بالسلطة الكاملة لكل الشرائح الإجتماعية دون إستثناء أي شريحة، فتتحول الدولة إلى خدمتها بدل خدمة مجموعة أو فئة أو أوليغارشية مالية، وهذا لايتم إلا بنظام سياسي بديل ديمقراطي وإجتماعي يجمع بين الحريات الديمقراطية والعدالة الإجتماعية.
ولهذا يجب إنشاء مؤسسة أخرى بديلة لمجلس الأمة الذي صادر السيادة الشعبية بواسطة الثلث الرئاسي، فأصبح لا قيمة لما يصدر من المجلس الشعبي الوطني مادام بإمكان هذا الثلث المعين من الرئيس إلغائه، ولهذا يجب وضع مجلس آخر، تمثل فيه كل شرائح المجتمع وفئاته، كي لايقصى أي أحد، وينتخب على أساس شرائح المجتمع وفئاته المهنية، فمن حق كل شرائح المجتمع أن تنتخب ممثلين لها في هذا المجلس الذي لا تهم تسميته، ويلغى القائم حاليا الذي ليس له أي دور إلا تبرير سياسات السلطة وإعطائها شرعية، ويعتمد في إنتخاب هذا المجلس كل شريحة إجتماعية كدائرة إنتخابية، ويكون عدد ممثليها حسب العدد المنتمي إلى هذه الشريحة.
لكن هذا غير كاف لضمان خدمة الدولة لمصالح الأمة والمجتمع كله، إلا إذا أمتلك كل ممثلي شريحة أو فئة إجتماعية حق الفيتو في كل مشروع قانون أو قرار يخصها، ويمكن أن تتفاوض مع السلطة التنفيذية والبرلمان في حالة ضرورة الحفاظ على توازنات، أما إذا تعلق القانون بمصالح عدة شرائح وفئات إجتماعية، فيتم التفاوض حوله بتنازلات فيما بينهم لحفظ مصالح الجميع، وبهذا الشكل يتم نقل الصراعات الإجتماعية التي تشل الحركة الإقتصادية بفعل الإضرابات إلى مبنى البرلمان، لكن هذا لايكفي لتحقيق مصالح كل شريحة إلا إذا بقيت مصالح ممثليها في البرلمان مرتبطة إرتباطا وثيقا بمصالح شريحتهم الإجتماعية، مما يجعل كل ممثل أو نائب برلماني الذي يعمل من أجل مصلحته الإجتماعية، سيحقق بوعي أو دون وعي منه مصلحة الشريحة الإجتماعية التي يمثلها، ولا يتم ذلك إلا بإلغاء كل الإمتيازات لهؤلاء الممثلين والنواب بحكم تواجدهم بالبرلمان بإستثناء الحصانة التي تكفل له حرية النقد والتعبير والممارسة.
نعتقد أن الإصلاح السياسي وتجسيد الدولة الديمقراطية والإجتماعية يبدأ من هذه النقطة، لكن يجب علينا الإشارة أيضا، أنه كي تنجح عملية الإنتقال الديمقراطي فعلا في الجزائر، وتصبح ثابتة ودائمة لابد من إنتشار قيم الديمقراطية في المجتمع، مما يجعله يدافع عنها، وليس كما يحدث اليوم اين يلاحظ ضعف هذه الممارسة حتى في الأحزاب التي تقول أنها ديمقراطية، ولايمكن أن يتم ذلك بمعزل عن إحداث تغيير إجتماعي جذري في المجتمع، والذي لايمكن تحقيقه إلا بالمرور الحتمي والضروري بمرحلة رأسمالية وطنية تدور حول الذات بدل ما تكون مرتبطة وتابعة للقوى الرأسمالية الكبرى، وبتعبير آخر الإستناد على الطرح الماركسي لتفسير حركة التاريخ الذي يقول أن تغيير البنى التحتية المتمثلة في قوى الإنتاج هي التي تحدد وتغير البنى الفوقية المتمثلة في الدولة والقيم والثقافة وغيرها، ولهذا لايمكن إنتشار وتثبيت قوي للحداثة وللقيم والأفكار الديمقراطية في المجتمع الجزائري إلا بعد القيام بثورة صناعية شبيهة بما عرفتها أوروبا في القرن19، ولايمكن تحقيق هذه الثورة الصناعية أو في قوى الإنتاج إلا بدفع أصحاب الأموال بواسطة تشريعات وآليات إلى الإستثمار المنتج، خاصة في المجال الصناعي بهدف خلق الثروة ومناصب الشغل، إضافة إلى إعادة النظر في مجال البحث العلمي، فلنوضح ذلك.
ان الجزائر في حاجة إلى حل جذري لمشكلة التخلف العلمي والتكنولوجي ، ولايحل إلا بإعادة النظر في ميكانيزمات الترقية والصعود الاجتماعي، فيكون أساسها الرئيسي العلم والمعرفة، ويكون المقياس الرئيس للامتيازات في المجتمع، وليس السلطة ومقاييس أخرى، علينا التفكير في وضع الميكانيزمات الملائمة لتطبيق هذا المبدأ الذي سيتحول محفزا على طلب العلم والبحث العلمي الجاد والتنافس من أجل الإبداع العلمي والتكنولوجي لأنه هو الطريق الرئيسي للصعود الاجتماعي، وهو المبدأ الذي سيجعل الطفل يلد وهمه وهم والديه النجاح في التعليم الذي سيسمح له بولوج عالم الباحثين العلميين، لعله سيفتح له الطريق ليصبح مخترعا ومبدعا علميا، مما سيدر عليه إمتيازات عدة، وتجعله من الطبقة العليا في المجتمع، وبذلك نكون قد وضعنا بذور التقدم بدل هذا التكالب المدمر من أجل الثروة والسلطة.
نعتقد في الأخير أنه لايمكن أن يعارض أي كان هذه الطروحات أو الشروط الثلاث التي أشرنا إليها آنفا، فهي بالإمكان أن تشكل قاعدة أساسية يجتمع حولها كل الجزائريين الخيرين الذين يريدون لبلادهم السؤدد والرقي وتحقيق حلم شهدائنا الأبرار في جزائر قوية على كل الأصعدة، أما القضايا الأخرى، فبالإمكان التوصل حولها إلى توافقات بعد حوار جاد تشترك فيه كل القوى السياسية والثقافية والإجتماعية الذي يمكن أن يكون شبيه بمجلس تأسيسي يعيد صياغة دستور توافقي للجزائر، يجد فيه كل الجزائريين مكانتهم وموقعهم دون أي إقصاء كان، وبذلك سنقيم دولة-الأمة الجزائرية أي دولة لكل الجزائريين بدل دولة-مجموعة أو طبقة أو حزب او أيديولوجية معينة كما وقع ويقع في الجزائر منذ 1962.
رابح لونيسي - الجزائر
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال