من تابع نهايات معركة الموصل، لا بد وأن لاحظ أن اسم الجيش العراقي قد غاب تماما، لا ذكر له ولا إشارة، مما يؤكد أن حملة منظمة قد خطط لها مسبقا لتهميش الجيش وتحجيم قادته.
لم يعد رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، قادرا على ضبط الحشد الشعبي، الذي تغول وبات قوة ضاربة خارج إطار الدولة، ينشط وفق عقائده الدينية الطافحة بالطائفية، ويتحرك حسب أجندته السياسية، حتى وصل الأمر بقادة فصائله إلى تهديد كل من يبدي رأيا فيه أو ينتقد سلوكه، وأجبروا وسائل الإعلام المحلية ومراسلي القنوات التلفزيونية على استخدام مفردة “المقدس” أينما ترد عبارة الحشد الشعبي، واعتبار كل من يتداول جرائمه، داعشيا يستحق الموت بلا تحقيق أو محاكمة، لأن المقدسات الشيعية في نظر أبي مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي وأوس الخفاجي وأكرم الكعبي وولائي وخرساني وغيرهم من قادة الميليشيات خط أحمر، رغم أن اغلبها مختلق ومزيف، ونتاج خرافات وروايات موضوعة وفتاوى هزيلة.
ومن تابع نهايات معركة الموصل، لا بد وأن لاحظ أن اسم الجيش العراقي قد غاب تماما، لا ذكر له ولا إشارة، مع أن قطعاته ووحداته لعبت دورا بارزا في تحرير المدينة من احتلال تنظيم داعش، وظهرت تسميات جديدة مثل “القوات الأمنية” أو “القوات المحررة” بدلا منه، مما يؤكد أن حملة منظمة قد خطط لها مسبقا لتهميش الجيش وتحجيم قادته، وقد انتشرت في الفترة الأخيرة صور وأفلام على موقع يوتيوب وصفحات التواصل الاجتماعي، تظهر أصحاب عمائم سوداء وبيضاء وعلى أكتافهم رتب لواء وفريق وأركان، يزورون مقرات عسكرية وشرطوية، ويلقون الخطب ويطلقون التصريحات، وكل واحد منهم يعتقد أنه الجنرال مونتغمري، بلا حياء ودون احترام للعمامة على رؤوسهم، التي وصفها مقدم برامج يعمل في فضائية عصائب قيس الخزعلي، بأنها رمز إسلامي لا تختلف قدسيته عن القرآن الكريم والصلاة والصوم، وهو ما أثار هياج عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة علي الأديب (يزدي) وهاجمهم بشدة وابتدع لهم تهمة جديدة “عملاء فكريون” لا بد من حظر أنشطتهم وملاحقتهم قضائيا وسجنهم.
الحشد الشعبي يتقدم الآن على جميع التشكيلات العسكرية الحكومية من جيش وقوات مكافحة الإرهاب والشرطة في الموصل ومحافظات صلاح الدين وديالى وشمال بابل، وشرق وجنوب الأنبار وأجزاء من كركوك، وتنتشر مقرات فصائله وترتفع راياتها في كل مكان في هذه المناطق، وتزايدت نقاط التفتيش التابعة له في كل شوارعها، تستفز أهلها المفجوعين بعبارات طائفية مبتذلة، ويظهر أبومهدي المهندس على تخوم الموصل ويعلن، بكل صلافة، “مجنون من يظن أن قوات الحشد ستنسحب من المدن التي حررتها، وستبقى تؤدي مهمات بسط الأمن ومطاردة خلايا الإرهاب النائمة في المدينة”. وهو يقصد سكان الموصل الذين لم تشفع لهم تضحياتهم وخراب بيوتهم وتدمير مدينتهم، فهم مازالوا متهمين على الشبهات في نظر قادة الحشد وميليشياته القاتلة.
ولاحظوا كيف قوبلت دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بضرورة تنظيم الحشد وتأهيل أفراده وإلحاقهم بوحدات الجيش والشرطة؟ حيث تعرض الرجل إلى هجمة شرسة قادها رؤساء الميليشيات بدعايات فجة، وشاركت إيران في التحريض عليه أيضا، وبدأت حملة واسعة تشكك بشيعيته وأنه باع نفسه إلى “الوهابية”، وطلع النائب كاظم الصيادي الذي طرده التيار الصدري من صفوفه في الدورة البرلمانية عام 2010، لسرقته سيارة من ممتلكات التيار وتزوير أوراقها باسمه، كما أعلنت النائبة الصدرية السابقة مها الدوري في حينه، علنا وعلى شاشات التلفزيون، وتهكم على مقتدى قائلا إنه “يعجب من زيارة زعيم شيعي إلى السعودية ودم نمر النمر لم يجف”.
وينشر موقع “نامه نيوز” الذي يشرف عليه قاضي القضاة في إيران صادق لاريجاني، تقريرا قال إنه من مصادر التحالف الوطني (الشيعي) في بغداد، اتهم فيه مقتدى الصدر بأنه قرر العمل خلال المرحلة المقبلة على حل الحشد الشعبي في العراق، مضيفا أن زعيم التيار الصدري بمجرد عودته من السعودية بدأ في استخدام أتباعه كورقة ضغط ضد الحكومة والقوى الشيعية ومن بينها الحشد الشعبي، مدعيا أن الصدر تعهد للمسؤولين السعوديين بأنه سيعمل على حل الحشد الشعبي، مقابل دعم الرياض لتحالف يضمه إلى جانب حيدر العبادي وإياد علاوي، لمواجهة رئيس الوزراء السابق القريب من إيران نوري المالكي.
وواضح أن التحريض الشيعي المحلي والإيراني الخارجي على دعوة التيار الصدري بتنظيم الحشد وفق سياقات عسكرية ونظامية، جاء ضمن مخطط تشتغل عليه إيران منذ صيف 2014 عبر الجنرال قاسم سليماني وضباطه الذين باتوا القادة الميدانيين لفصائل الحشد الرئيسية، لتحويل الحشد إلى حرس ثوري “عراقي” وتذويب قطعات الجيش العراقي وجعلها تحت إمرته كما حصل للجيش الإيراني.
وعندما يقف ضابط عراقي برتبة لواء ركن استعدادا لرئيس ميليشيا بدر، هادي العامري، ويؤدي له التحية العسكرية ويخاطبه بعبارة “سيدي أهلا بك في قاطعنا”، فإن ذلك يعني إعادة الجيش إلى عهد نوري المالكي، الذي نشر الفساد والطائفية في صفوفه، وعين قادة مزيفين وضباط دمج على رأس وحداته، ويعني أيضا أن الحشد سيكون هو المؤسسة العسكرية الأولى والأساسية في العراق، وتصبح قطعات الجيش وقوات الشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات في خدمتها وتخضع لأوامرها، ومبروك مقدما للقائد العام للقوات المسلحة الصوري حيدر العبادي، الذي صرخ عاليا في الأسبوع الماضي “الحشد باق”، وتهنئة خالصة لوزير الدفاع (الفاهي) عرفان الحيالي أو الحديثي (لا فرق)، وانتظروا إحالة الفرقاء رئيس أركان الجيش عثمان الغانمي، وقائد القوات المشتركة طالب شغاتي، وأركان حربه عبدالغني الأسدي وعبدالوهاب الساعدي ومعن السعدي وعبدالأمير يارالله، على التقاعد خلال الشهور القليلة المقبلة.
هارون محمد - كاتب عراقي
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال