شهد المجتمع المصرى زلزالا قويا أصاب الأسعار بعد تعويم الجنيه وزيادة أسعار المواد البترولية، حيث زادت أسعار كل السلع والخدمات بنسب كبيرة، وسبق هذه الزيادات زيادة الأسعار نتيجة تطبيق ضريبة القيمة المضافة وصاحبها زيادة الحكومة لأسعار الكهرباء والمياه والأدوية، بحيث تغير هيكل الأسعار ولم تعد الزيادة تصيب سلعا محدودة بل شمل تسونامى الأسعار كل ما يباع فى المجتمع المصرى وبزيادات غير مسبوقة.
المشكلة التى يعانى منها الاقتصاد والمواطن المصرى حاليا ليست فقط هذه الموجة التضخمية ولكن استمرار ارتفاع الأسعار بحيث فقد الجميع القدرة على تحديد المحطة التى يتوقف عندها طوفان ارتفاع الأسعار. ولم يعد المنتج قادرا على حساب تكلفة إنتاجه حيث تتغير أسعار مدخلات الإنتاج نتيجة زيادة سعر الدولار وما يصحب ذلك من زيادة الجمارك نتيجة التغير اليومى لسعر الدولار الجمركى. بل وصل الأمر (وفقا لغرفة الصناعات الهندسية) إلى توقف 40 مصنع لإنتاج الأوانى المنزلية المصنعة من الألومنيوم نتيجة لتعديل نظام التسعير لخام الألومنيوم من شركة مصر للألومنيوم ليكون كل 10 أيام بدلا من الأسعار الشهرية، وبالتالى صعوبة تحديد تكاليف الإنتاج والأسعار كل 10 أيام وهو ما لا يحدث فى أى نظام اقتصادي.
مما يزيد هذه الفوضى السعرية إعلان الحكومة زيادة الرسوم الجمركية على مئات السلع مما سيزيد من أسعارها وكل السلع المرتبطة بها، كذلك التخطيط للمزيد من زيادة أسعار الكهرباء والمواد البترولية والتلميحات إلى التحول من الدعم العينى إلى النقدى. ولقد تعودنا على شكل جديد لزيادة الأسعار حيث تختفى السلعة وتظهر السوق السوداء بأسعار مرتفعة ثم تتدخل الحكومة لتوفير السلعة ولكن بالأسعار الجديدة المرتفعة وحدث هذا مؤخرا فى ألبان الأطفال والأرز والسكر وأخيرا الأدوية.
اعتقد أننا جميعا كمواطنين لم نعد نصدق التصريحات الحكومية عن ضبط الأسعار والتوجيهات الرئاسية بضرورة التصدى لجشع التجار، فالكل يدرك أن المشكلة ليست فى جشع التجار بل فى عدم وجود نظام للتسعير وترك المواطنين فريسة لكل من يستطيع زيادة الأسعار دون قيود أو ضوابط، بل ضعف الدولة وعدم قدرتها على وضع نظام للتسعير. فعندما تجرأ رئيس الوزراء ليتحدث عن إمكانية وضع تسعيرة جبرية لبعض السلع الأساسية، تعرض لهجوم كاسح من القوى الاحتكارية ليذكروه أن الحرية الاقتصادية تتطلب تحديد الأسعار وفقا للعرض والطلب دون تدخل الدولة، وأن الدولة إذا حاولت التدخل فلن تجد سلعا بالأسواق. وهو ما جعل رئيس الوزراء يتراجع ويعلن تشكيل لجنة لبحث تحديد هوامش ربح للسلع المختلفة، وبالطبع فلم ولن تجتمع هذه اللجنة لأن القوى المسيطرة أكبر من القرارات الحكومية.
علينا الاعتراف بأن طوفان زيادة الأسعار لن يتوقف، وستظل الأسعار تتزايد وهو ما سيؤدى إلى المزيد من الإفقار لشرائح واسعة من الطبقة الوسطى وتغيير فى أنماط استهلاكها. بل علينا أن نتوقع المزيد من الفساد لمحاولة الحصول على دخل يساعد على توفير متطلبات الإنفاق لعدم التدنى الكبير فى مستوى المعيشة، بينما ستزداد ظاهرة التسول والبحث عن إعانات من ذوى القلوب الرحيمة للعلاج وتوفير الغذاء، وهو ما بدأنا نقرأ عنه فى قيام جمعيات توزيع الطعام بتوزيع عبوات الطعام غير مدون عليها شعار الجمعية مراعاة لكرامة المتلقين لهذه العبوات من الطبقة الوسطى. وبالطبع هناك على الجانب الآخر من يستفيدون من زيادة الأسعار بتراكم ثرواتهم وهناك الفئات المحظوظة التى تستطيع زيادة أجورها والبدلات التى تحصل عليها لمواجهة زيادة الأسعار.
فى اعتقادى أننا سنعانى من المزيد من ارتفاع الأسعار وأن الحكومة لن تستطيع وقف هذه الزيادات بل ستكون طرفا فيما سيصيب المواطن من هذه الزيادات، لذلك فإننى اقترح النظر فى الجانب الآخر من المعادلة وهو الأجور، فإذا كانت الحكومة قد أطلقت العنان لتحرير الأسعار فلابد من تحرير للأجور.
تعد مشكلة الأجور من أهم المشاكل التى تؤثر على كافة قطاعات الاقتصاد، فهناك قناعة لدى غالبية العاملين بأنهم لا يحصلون على ما يستحقون من أجر أو أن ما يحصلون عليه لا يتناسب مع مستويات الأسعار، بالإضافة إلى الشعور الجمعى للمواطنين أن هناك عدم عدالة في توزيع الدخل القومى.
على الدولة أن تراجع موقفها من الأجور، حيث ذكر الرئيس السيسى أن الزيادة التي شهدتها الأجور منذ ثلاث سنوات أثرت سلباً على موازنة الدولة وساهمت في زيادة الدين الداخلي، رغم أن زيادة الدين ترجع أساسا لزيادة الاقتراض وبالتالى زيادة الفوائد. كما أن هناك فئات مثل الجيش والشرطة والقضاء والعاملين فى البترول والكهرباء تحصل على زيادات فى الدخل تعوضها عن زيادة الأسعار وهو ما لا يتحقق لباقى الفئات.
لمعالجة مشكلة الأجور فى مصر لابد من التأكيد على ضرورة أن يكون العلاج شاملا وجذريا دون سياسة الزيادة بالتنقيط أو ترضية بعض الفئات بما يسمى بالكادر الخاص أو نظام المنح أو غير ذلك من المسميات. وليس معنى الدعوة للتغيير الجذرى لنظام الأجور أن تتم زيادة الأجور إلى ما ينبغى أن تكون عليه مرة واحدة، ولكن يمكن إتباع سياسة التدرج المحدود والواضح للجميع، ولابد أن يتوافر فى نظام الأجور الجديد المبادئ التالية:
1- تحديد حد أدنى للأجور بما يتوافق مع الحد الأدنى اللازم لتوفير الحاجات الأساسية، مع مراعاة تقليل الفارق بين الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور، وعدم التحايل على الحد الأقصى للأجور.
2- أن يكون الأجر شاملا لكل متطلبات الوظيفة لمنع التحايل على ذلك بالعديد من البدلات التى توضع لعمل معين هو أصلا جزء من الوظيفة، فلماذا مثلا يحصل رئيس العمل على مكافأة لحضور الاجتماع ما دام هذا الاجتماع جزء من عمله أو ما يتطلبه العمل؟
3- الأجر الواحد للعمل الواحد، وحتى لا يحدث ما نشاهده الآن من اختلاف الأجر لذات العمل بين البنوك مثلا أو بين العاملين فى وزارات معينة كالبترول وغيرهم من العاملين فى الوزارات الأخرى .
4- إلغاء ما يسمى بالصناديق أو الحسابات الخاصة والتى يحصل المنتفعين منها على أضعاف مرتباتهم.
5- الربط بين الأجر والإنتاجية، وهو ما يستدعى تحديد العمل المطلوب من كل وظيفة وبالتالى يمكن القضاء على الوظائف الزائدة مما يساعد على توفير زيادات المرتب للعاملين.
إذا كان لا مفر من تحرير الأسعار لتتناسب مع الأسعار العالمية فلابد من تغيير هيكل الأجور لكى يستطيع المواطن العمل ولا يتحول إلى متسول.
صفوت قابل/CNN
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال