زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لروسيا لم تكن أمرا خارجا عن سياق تطور الموقف الروسي، بالنسبة لي على الأقل، هذا الأخير الذي يستحضر خسارته الفادحة في العراق، مقابل فتات لا يزيد عن أربع مليارات دولار، كانت قد قدمتها دولتان خليجيتان بداية حرب الخليج الثانية، مقابل عدم اعتراض الاتحاد السوفياتي و استعماله حق الفيتو، وفق ما جاء في مذكرات كبير المصرفيين الروس فيكتور غيراشينكو، بصفته مسؤولا و شاهدا عيانا على استلام “الرشوة”؛ و يستحضر كذلك و هو يستعيد هيبته و مكانته الدوليتين، خديعة الولايات المتحدة و من يدور في فلكها عام 2011 في القضية الليبية؛ لن يكون على استعداد لينخدع مرة أخرى في الملف السوري، و هي – أي سورية- التي تربطها به علاقات ضاربة بجذورها في العقود الأخيرة، و له فيها قواعد عسكرية مهمة؛ كان واضحا من البداية أن روسيا لن تفرط في سورية، و لن تسمح للمحور الأمريكي أن يذهب فيها كما فعل بليبيا مهما كلف الموقف.
فقد رفضت روسيا من قبل كل الإغراءات التي حملها ثانية، رئيس جهاز مخابرات دولة خليجية منذ عامين 12/2013 (كان سفيرا لبلده من قبل في واشنطن)، كما ضربت عرض الحائط كل العقوبات و التهديدات، التي أقحمت اوكرانيا في صراع القطبين على سورية، لترد بقوة و حزم بضم شبه جزيرة القرم في ساعات، مساحة و سكانا و تشريعا، دون أن تلتفت للمحور الأمريكي. تصاعد الموقف الروسي و تصميمه المترجم عمليا على الأرض، كان بالغ الوضوح بأنه لن يترك سورية نهبا للولايات المتحدة، و هذا الموقف يعني فيما يعنيه إمكانية دعوة الرئيس السوري لزيارة موسكو، و يعني كذلك إمكانية زيارة فلاديمير بوتين لدمشق متى اقتضى الأمر اتخاذ هذه الخطوة.
طبعا هناك من يخالفنا الرأي لغاية اليوم، باعتبار أن الأزمة السورية هي ثورة شعب بأكمله، ثورة سلمية لا علاقة لها بأطراف خارجية، و نظيفة جدا لدرجة أنها لم ترق دما لمدني و لم تنقض حجرا على حجر، و هناك من يذهب أبعد من ذلك و منذ عام 2012 باعتبار سورية الدولة العربية المسلمة وقعت تحت الاحتلال الإيراني الفارسي، فأعلن الجهاد المقدس لتحريرها، و دعا الولايات المتحدة لمساعدته متعهدا بأن جنوده “المجاهدين” يريدون السلام، و لا و لن يهدّدوا أمن و سلامة إسرائيل. هؤلاء من بني جلدتنا لم يعد يجد نفعا السعي لإقناعهم بواقع الحال على الأرض.
وعودة الى موضوع زيارة الرئيس السوري لموسكو، التي لا نرى فيها انقلابا كما يصفه البعض، و إنما هي نقلة من بين سلسلة نقلات محكمة التواصل، أملت التطورات على الساحة السورية و الإقليمية ضرورة تبيانها للعالم بالشكل الذي بدت عليه؛ و يمكن وصفها باكتمال الموقف الروسي حيال الملف السوري، فمن نقلة استعمال حق النقض في مجلس الأمن، الى اعتراض صاروخين للولايات المتحدة كانا يستهدفان مقر الرئيس بشار الأسد منذ عامين إثر أزمة “الكيماوي”، موازاة مع ذلك الدعم اللوجستي و المالي و الاستشاري، و أخيرا نقلة الانخراط الميداني بسلاح الجو الروسي، يتبعه إن دعت الحاجة الدعم البري؛ غير أن الطرف الروسي رصد كما نحن جميعا، رد فعل الولايات المتحدة و محورها، خاصة منها الأطراف الإقليمية الضالعة بشكل مباشر في الملف السوري، و الذي بدوره دون أن يعير أدنى اهتمام لمواقف روسيا و لا لمنحناها التصاعدي، مضى بعناد متعمد في تأجيج الأزمة، و الدفع مرة أخرى بالعنصر البشري و الدعم بالعتاد و الذخيرة للجماعات المسلحة (سجل مباشرة بعد التدخل العسكري الروسي إنزال السلاح و الذخيرة من قبل أمريكا للجماعات المسلحة- كما رفعت السعودية تهديداتها عبر نوافذها الإعلامية -جمال خاشقجي/أنور عشقي – بمد تلكم الجماعات بصواريخ تاو و ستينغر)؛ على إثر هذا جاء الإطار المكمل لمشهد موقف روسيا، باستقبال الرئيس بشار الأسد و انتقاء الكريملن لمقطع اللقاء و مفرداته المحسوبة بعناية فائقة لينشره عبر وسائل الإعلام، ليغلق الباب نهائيا أمام الخيار الاستراتيجي “تنحي الأسد”، الذي اعتمدته تركيا و السعودية وهما رأس الحربة في الحرب الدائرة رحاها بسورية منذ خمس سنوات.
لكن السؤال الأكثر خطورة: هل يتلقف المحور الأمريكي هذا الموقف الروسي بالغ القوة و الدلالة، و يعمل على تفادي صدام قد يتدحرج لحرب عالمية؟ أم سيستمر في تأجيج الأوضاع؟.
نقول بصراحة أن الاحتمال الثاني هو الراجح، و نبني هذا الرأي على التالي:
أولا: من مصلحة الولايات المتحدة و عناصر محورها (كما يُقّدرون) الانتقال من استنزاف قدرات سورية الى استنزاف قدرات روسيا، التي لا نكشف سرا أنها تمر بمرحلة اقتصادية و مالية حرجة، ففضلا عن العقوبات التي تواجهها، هناك ركود اقتصادي عالمي تترنح تحت وطأته كثير من الدول. هذا الاستنزاف المالي و البشري و العسكري كله نظريا يصب في مصلحة الغرب، فعلى المدى المتوسط او حتى البعيد، سيدفع بروسيا للتراجع ليس عن سوريا فحسب، و تمددها الناعم في مصر، و إنما كذلك في اوكرانيا و عموم الخط الشرقي الاوروبي، و مسارح أخرى يدور فيها الصراع.
ثانيا: من المهم بالنسبة للولايات المتحدة، و قد استوثقت مع حلفائها من كينونة “داعش” بعد صناعته على النحو الذي نشاهده، أن تجعل منه ثقبا أسودا في قلب العالم العربي، تدفع اليه بمساعدة المعنيين معها، بكل عنصر بشري يراد التخلص منه، ففي النهاية الولايات المتحدة و الغرب لن يتدخلوا بجنودهم، و وقود هذه الحرب منذ بدايتها هو العنصر العربي بامتياز، و هنا نسجل نجاحا ملموسا في تخلص السعودية و مصر و تونس و المغرب و الاردن، بل و حتى بعض الدول الغربية مثل فرنسا و بريطانيا من كتل بشرية معتبرة العدد، حين دفعت بهم عبر حليفها التركي، نحو الثقب الأسود المنتج في سورية. إذن من المهم مواصلة تنظيف ساحاتهم ممن يعتبرونهم “مجاهدين و ثوار” في العناوين الإعلامية و التصريحات الدبلوماسية، و “طفيليات و إرهابيين” في الغرف المغلقة؛ فضلا عن كون هذا الصراع الدموي، ملهاة للشعوب عن همومها الداخلية و أساسها فساد حكامها.
ثالثا: من المهم كذلك بالنسبة للولايات المتحدة و حلفائها الغربيين على وجه التحديد، اختبار القدرات العسكرية الروسية ميدانيا، و استدراج أنواع السلاح التي لم تستخدم من قبل لتكشف أسرارها، الميدان السوري أقل خطرا من الساحة الاوكرانية، و شظايا السلاح إن وقعت ففي محيط الاقليم نظريا و ليس أبعد من ذلك، في حين أن اوكرانيا عضو لصيق بالاتحاد الاوروبي، و قد يترتب عن تدحرج كرة النار حريقا يأتي على القارة العجوز.(من المهم التذكير بأن المواد سريعة الالتهاب موجودة تحت رماد المدنية الاوروبية، و هي لا تختلف طبيعة عن تلكم المستخدمة في عالمنا العربي، من العرقية و الطائفية و الاثنية الحربين العالميتين في القرني الماضي شاهد حي، و دوامة البوسنة قائمة، بل حتى في اوكرانيا كشرت بعضها عن أنيابها).
رابعا: من الجانب العربي المتحالف مع الولايات المتحدة في الحرب على سورية، و هنا نعني دول الخليج التي تقودها السعودية، بالاضافة للأردن، فالتعامل مع سورية ليس قائما على مفهوم مصلحة الدول بقواعدها العلمية و أبعادها الاستراتيجية (و لا أقول هنا أنهم مجموعة دمى و بيادق كما يحلو للبعض وصفهم)، و إنما ينبع من مفهوم مصلحة القبيلة، فعقل الحاكم العربي مع الأسف الشديد، لم تتجاوز قدراته هذه المرحلة البدائية الى مرحلة مفهوم “الدولة” و دلالاته.
أكاد أجزم عن بينة، بأن موقف قادة الخليج من الراحل معمر القذافي لا علاقة له بالشعب الليبي و مصالحه و مصالح “الدولة الليبية”، و إنما يعود بالأساس للتراشق الذي وقع بين الراحلين القذافي و الملك عبد الله، في احدى القمم العربية، الذي نزلت مفرداته الى مستوى سوقي، كشف على الهواء للعالم، من لحظتها أسرت في نفسها الضغينة أطراف رأت مع حراك الشارع العربي 2011 فرصة سانحة لاسترداد كرامة الرجل القبلي؛ لا يهم الشعب الليبي كما لا يهم أن تخلع كل ليبيا من الجغرافيا، المهم “قتل القذافي”؛ تماما و ذات الحال مع سورية، فالرئيس السوري قد ارتكب جريمة لا تغتفر (وفق تقديرهم) عام 2006 حين تعرض في خطابه لأنصاف المواقف و أنصاف الرجال، و هنا يحضرني ما سجله وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد ابو الغيط في مذكراته، حين أشار لاتصال هاتفي بعد ذلكم الخطاب مباشرة، من رئيسه حسني مبارك ينتقد فيه بشدة جملة “أنصاف الرجال”، باعتبار أن قادة الخليج في مقام والد الرئيس بشار الأسد. ها هنا يتجلى الموقف “القبلي”، لم يجد (حاكم مصر و ما أدراكم ما مصر) في كل الخطاب إلا تلكم العبارة، ثم غضبه وفق رواية وزيره، ليس لأن تقدير الرئيس السوري للموقف خاطئ، و إنما لكبر سن حكام الخليج؛ لم يتسع عقل مبارك كما حلفاؤه الذين يدافع عنهم، لقاعدة مفادها أن الرئيس لا يقاس بالسن و علاقاته و تصريحاته و مواقفه لا تبنى على عامل العمر؛ و أكاد أجزم كلك من ساعتها بيّت أمر ضرب سورية؛ و هناك شواهد تؤكد ذلك من جيفري فيلتمان الى قمة كراوفورد لا يتسع المقال لسردها. على ما تقدم ذكره في هذه الفقرة، يمكننا فهم تمسك السعودية و دول الخليج بعبارة “اسقاط الاسد” التي جعلت منها هدفا استراتيجيا، توظف لتحقيقه كل مقدرات شعوب شبه الجزيرة العربية و أرض الحجاز على وجه أخص، و لا يهم مستقبل الدولة السورية و لا مآسي شعبها، مثلما هو الواقع ماثلا و شاهدا في ليبيا الآن على امتداد أربع سنوات.
إذن تقاطع مصالح الولايات المتحدة باضعاف سورية و انهاكها لدرجة لا تهدد مستقبلا كيان العدو الاسرائيلي، و استنزاف الدب الروسي و استدراج سلاحه الحديث، مع مصلحة الانتقام لدى الحاكم العربي ببعدها المنحصر في المقوم القبلي البدائي، لا شك ينبأ بأن القادم بعد زيارة الاسد لروسيا لا يبشر بحل عاجل للأزمة، و إنما لتصعيد خطير للغاية، العناد القبلي البدائي العربي و الاسترخاء الامريكي و الغربي و الاسرائيلي لاستنزاف روسيا سيدفعان نحو التصعيد، و لعل تصريح وزير خارجية قطر يوم أمس بالتدخل العسكري المباشر في سورية، ليس مجرد تهديد لفظي، و إنما صلف عربي متقدم نحو الهاوية.
أخيرا و أمام هذا المشهد المخيف، ألم تضع القيادة الروسية في حسبانها هذا الأمر؟ أعتقد أن اتصال فلاديمير بوتين مباشرة بعد لقائه الاسد، بالملكين السعودي و الاردني و الرئيس التركي، بصفتهم الخصوم المباشرين على الارض السورية، إنما ليؤكد لهم قرار روسيا بعدم التراجع، و استعدادها للمضي الى أبعد نقطة يمكن تصورها، سعيا منه للجم ذلكم الاندفاع نحو تمزيق و تدمير سورية، و سحب البساط من تحت أخر القواعد العسكرية الروسية في العالم العربي. و لا نتصور أن روسيا لم تستفد من دروس تجربتها بكل تفاصيلها في أفغانستان، كما لا نعتقد أنها من الغباء الى درجة أنها ستكرر ذات الخطأ؛ لا شك أنها أعدت على روية و نار هادئة ما يمكن أن يمضي اليه الحاكم العربي بمحركه القبلي البدائي، و استغلال ذلك من قبل المحور الامريكو صهيوني لهزيمة روسيا ثانية و بضربة قاضية.
بهذه المعطيات يكون التساؤل عن بدء حرب عالمية موضوعي في تصورنا، لأن روسيا ما تدخلت إلا لتنتصر، و المحور المقابل يصر كذلك على الانتصار، و في النهاية الخاسر الوحيد في هذه الدوامة هي الأمة العربية و الإسلامية، على رأسها “فلسطين”، و قطعا لن يكون الغرب و أمريكا، و يقينا كذلك لن تكون روسيا.
اسماعيل القاسمي الحسني/الجزائر
ليس من مصلحه روسيا امريكا او اي بلد غربي السلم في سوريا مثلما هوالحال في بلد عربي اخر الان اصبحت الدول الكبری لا يهمها ثروات البلدان العربيه بل ما يهمها هو تشتيت الشعوب ونشر الجهل والاميه بينها الكل يعلم ان سلاح العلم يسمو علا الثروات العربيه مثلا بلد ك سوريا والعراق كم من عالم و دكتور واستاد جامعي موجود في بلاد المهجر كلهم تخرجو من جامعات عربيه اليس بناقوس خطر علا مجتمعات غربيه اليس بمقدورهم تغيير المفاهيم اليس هيك طبقه علميه تستدعي ان يتحالف عليها الغرب واليهود .. https://www.facebook.com/profile.php?id=100006576138285&fref=ufi
RépondreSupprimer