أسس مهاجرون ولاجئون سوريون "أوركسترا السوريين المغتربين" في ألمانيا، وهي الأولى من نوعها في أوروبا. يطمح العازفون بذلك تقديم صورة أفضل عن سوريا التي مزقتها الحرب وهجرها أهلها بحثا عن الحياة.
على أوتار كمنجات حزينة يعزف موسيقيو أوركسترا المغتربين السوريين ألحانا كلاسيكية لمقطوعة "العودة للوطن من الغربة" للموسيقار الألماني فيليكس ماندلسون بارتولدي. العازفون حطوا الرحال في بريمن وقدموا جميعهم من بلدان أوروبية، للقيام لأول مرة بأداء تحضيري استعدادا لإطلاق جولة عروض موسيقية سيحيونها في ألمانيا.
تضم الأوركسترا 30 عازفا من المهاجرين واللاجئين السوريين، والهدف من إنشائها هو تغيير صورة قاتمة ترسخت في أذهان الكثيرين عن سوريا، صورة بلد تمزقه الحرب و فر منه ملايين اللاجئين. "نريد أن يكتشف الناس وجها آخرا لسوريا، مليء بالثقافة والموسيقى" كما يقول رائد جزبه، مؤسس الأوركسترا. تعزف الأوركسترا سيمفونيات كلاسيكية شرقية وغربية تروي حكايات قديمة عن الحنين إلى الوطن وعن اللجوء و الحب والأمل.
فرقتهم دمشق وجمعتهم بريمن..
حط رائد الرحال في ألمانيا قبل عامين، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل على تجسيد مشروع يضم كافة الموسيقيين السوريين في المنفى. وبالفعل كان له ذلك، إذ تمكن من العثور على العديد من زملائه في جامعة الموسيقى بدمشق بعد بحث طويل على صفحات فيسبوك، بعد أن فرقتهم الحرب في سوريا وذهب كل في سبيله.
ميشالا قصاص هي واحدة منهم، وقد سافرت بعد الحرب إلى مدينة ليون الفرنسية لمواصلة دراسة الموسيقى. اللقاء المتجدد بزملاء الدراسة القدامى كان لحظة استثنائية لها. "التقيت مجددا بعد سنوات طويلة بأناس حسبت أني لن أراهم أبدا، لا أكاد أصدق هذا. لقد حملتني نغمات الموسيقى إلى دمشق، أين كنا نلتقي في السابق دوما للعزف.. أحسست وكأني عدت إلى هناك.."
وفي المقابل، لم يسعف الحظ دلامة شباح في الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا، فخاطر بحياته في رحلة عبور شاقة إلى ألمانيا عبر تركيا وصربيا والمجر. وترك خلفه آلة ترومبيته المفضلة، فحقيبة ظهره لم تكن تتسع لها. في بريمن أهداه زميل ألماني آلة قديمة للنفخ. "كنت أشعر ببعض من اليأس، منذ أن وصلت إلى ألمانيا. أما اليوم، اشتدت عزيمتي بفضل الأوركسترا، أريد أن أكون رجلا ناجحا... هذا هو طموحي في ألمانيا."
جسر بين الشرق والغرب..
لم يتردد المايسترو الألماني مارتن لانتز طويلا، عندما عرض عليه مشروع قيادة الأوركسترا. فهذه ليست المرة الأولى التي يعمل فيها لانتز مع عازفين من دول متعددة، إذا اشتغل قبل بضع سنوات صحبة الموسيقار المعروف دانيال بارنبوم في مشروع أوركسترا فلسطيني في رام الله. يبدي لانتز إعجابا وتفهما كبيرا للعازفين الشباب، ولكن أثناء العزف التحضيري يظهر بعض الصرامة. يوقف لانتز العزف كل مرة يلاحظ فيها خللا في تسلسل النغمات، فيقوم ببعض التعديلات ويعطي نصائحه بدقة واضحة.
المايسترو مارتن لانتز:"اعزفوا الموسيقى بأحاسيسكم"
ثم يلتفت المايسترو إلى عازفي الكمان، ويخاطبهم بالإنكليزية: "قليل من النعومة بعد، أريد خفة أكثر"، ثم يرفع يده مشيرا باستئناف العزف ويهز برأسه مشجعا فرقته على المواصلة. يمزج العازفون إيقاعات الدربوكة بنغمات الكمان، لتنساب ألحان منسجمة وجميلة. لكن الأمر ليس بالهين.
إذ سرعان ما تصدر أصوات غريبة، تدفع المايسترو لانتز إلى إيقاف العزف. يبدو التوتر واضحا على وجوه العازفين، تشرأب أعناقهم في حيرة إلى لانتز. فيحاول الأخير أن يرفع من معنوياتهم. "ليس من الضروري أن تعزفوا بحرفية مثلما هو الحال في أوركسترا الفلهرمونيكا البرلينية، اعزفوا الموسيقى بأحاسيسكم". ثم يرفع يده ويعطي شارة الانطلاق لتواصل الفرقة عزفها من جديد.
سميح عامري /DW
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال