ربما قد يكون عنوان هذه الفقرة غريبا شيئا ما، خاصة، وأن الغاية من أي انتخابات يعرفها أي بلد في العالم، لا تتجاوز قيام الاختيار الحر، والنزيه، لمن يمثل الشعب في أي مؤسسة منتخبة، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، مساهمة من الشعب في ممارسة الصراع الديمقراطي، الذي يجنبنا الكثير من المزالق، التي لا تحمد عقباها، في ممارسة الصراع التناحري، الذي لا وجود فيه لشيء اسمه الديمقراطية، لا من قريب، ولا من بعيد، كما هو الحال في العديد من البلدان العربية، وباقي بلدان المسلمين، التي انخرطت في الصراع التناحري، ولم تستطع الخروج منه، كما يحصل في ليبيا، وفي اليمن، وفي العراق، وفي سوريا، حيث لاحتكام إلا للسلاح، استجابة لإرادة الصهيونية، والرجعية، والأمبريالية.
وإذا كان من السليم، ومن المعقول، اعتماد الصراع الديمقراطي، لاختيار من يمثل الشعب، أي شعب، في المؤسسات المنتخبة، فإن هذه الغاية، في حد ذاتها، ليست كافية وحدها؛ بل لا بد لها من غايات أخرى، تعتبر مكملة لها، ومتفاعلة معها، ومحصنة لنتائجها، خاصة، وأننا في بلد كالمغرب، ينخر الفساد، والاستبداد كل مؤسساته المنتخبة، وغير المنتخبة، نظرا لعدم تحقيق غايات محصنة لنتائج الاختيار الحر، والنزيه، في الانتخابات المغربية، التي يجب أن تأتي في إطار ممارسة ديمقراطية شاملة، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ لأن الانتخابات، خارج السياق الديمقراطي الشامل، ليست هي الديمقراطية، كما أن الديمقراطية بدون انتخابات، لا يمكن أن تكون هي الديمقراطية التي ننشدها، كما يقول المناضل الطليعي الكبير والقائد العظيم الفقيد أحمد بنجلون.
ومن هذه الغايات، التي نرى ضرورة تحقيقها في أي انتخابات يعرفها المغرب، حتى تصير، فعلا، انتخابات حرة، ونزيهة نجد:
1) تفعيل الجانب الانتخابي في الممارسة الديمقراطية، أي التعامل مع الانتخابات من بدايتها، حتى نهايتها، على أنها جزء من العملية السياسية، التي ليست، كذلك، إلا جزءا من العملية الديمقراطية؛ لأنه لا يمكن تصور خوض المعركة الديمقراطية بالبطون الجائعة، وباليد غير العاملة، وبارتفاع الأسعار، وباستمرار انتشار الأمية، وبالمرضى الذين يفتقدون العلاج المناسب في المؤسسات الصحية المحسوبة على الدولة المغربية، وباحتداد الفوارق الطبقية، وبانتشار الفساد الإداري، والسياسي، وبإقامة أسواق النخاسة، خلال الحملات الانتخابية، وبانتشار الاتجار في المخدرات، وبشيوع الاقتصاد غير المهيكل، وبارتفاع الضرائب، وغير ذلك، مما لا يمكن أن يترتب عنه إلا تحويل الانتخابات الجماعية، والجهوية، والبرلمانية، إلى مناسبة لتنشيط أسواق النخاسة، حتى يصير الاقتراع لصالح من يدفع أكثر، وأمام أنظار السلطات، التي لا تحرك ساكنا. ولذلك، فتفعيل الجانب الانتخابي في الممارسة الديمقراطية، يقتضي إنضاج الشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، الكفيلة بإجراء انتخابات حرة، ونزيهة. وإلا فإننا سنعيد إنتاج الفساد الانتخابي، المؤدي إلى تمكين ناهبي ثروات الشعب المغربي، من السيطرة على المؤسسات الجماعية، والجهوية، وعلى البرلمان، من أجل توظيف تلك المؤسسات المنتخبة، للتمكن من نهب المزيد من ثروات الشعب المغربي.
2) إشراك الجماهير الشعبية الكادحة، في الاختيار الحر، والنزيه، بعيدا عن كل أشكال الفساد الانتخابي، من أجل إيجاد مؤسسات منتخبة انتخابا حرا، ونزيها، حتى تصير معبرة عن إرادة الشعب المغربي؛ لأننا إذا كنا نستحضر دور الإدارة، ودور الأحزاب السياسية، في إجراء أي انتخابات مغربية، فإننا نهمل دور الجماهير الشعبية الكادحة، في إنجاح العملية الانتخابية، وحمايتها من التزوير، فإن علينا أن ندرك جيدا، أن فساد الإدارة، وفساد أحزاب الإدارة، وحزب الدولة، والأحزاب الممخزنة، لم تنتج حتى الآن، ومنذ الاستقلال السياسي للمغرب، إلا تزوير إرادة الشعب المغربي، من أجل وصول الفاسدين إلى مختلف المؤسسات المنتخبة، لا من أجل أجرأة بنود البرنامج الانتخابي، بل من أجل استغلال المؤسسات المنتخبة، لنهب ثروات الشعب المغربي. وهو ما ترتب عنه النمو اللا متناهي لثروات المنتخبين، في مختلف الأجهزة المنتخبة، والتي لا تعبر أبدا عن احترام إرادة الشعب المغربي. ولذلك، كان من اللازم القيام بحملات توعوية، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وعن طريق عقد تجمعات عامة، وفي كل المدن، وفي كل القرى، لتحسيس الجماهير الشعبية الكادحة بدورها الإيجابي في أي انتخابات يعرفها المغرب، خاصة، وأن تحسيسا من هذا النوع، يكتسي أهمية خاصة؛ لأته يعتبر بمثابة تحفيز للمواطنين، بالانخراط في العملية الانتخابية، بعد الوعي بها، وبأهميتها على مستوى التسجيل في اللوائح الانتخابية، التي يجب أن تصير سليمة من كل العيوب، التي تسيء إلى العملية الانتخابية، ومرورا بالحملات الانتخابية، التي يجب أن تجري بعيدا عن إقامة أسواق النخاسة، وعن إقامة الولائم، وعن الولاءات القبلية، والعائلية، والطائفية، وصولا إلى الحرص على الاختيار الحر، والنزيه، للبرامج العامة، والخاصة، التي تستجيب لطموحات الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، مع الحرص على مراقبة الاقتراع مراقبة جماهيرية واسعة، ومراقبة النتائج التي يجب أن تصير في خدمة الجماهير الشعبية الكادحة، ومن أجل قطع الطريق أمام محترفي كل أشكال الفساد السياسي، وأمام الإدارة، التي تزور الانتخابات لصالح الموالين لها، ولصالح عملاء المؤسسة المخزنية، ولصالح المتمتعين بالريع المخزني.
3) مساهمة الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، في الرقي بالعملية الانتخابية، إلى المستوى الذي يجعل نتائجها تستجيب لطموحات الشعب المغربي. وحتى تقوم الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية بدورها كاملا، في أي انتخابات محلية، أو إقليمية، أو جهوية، أو وطنية، يجب أن تحرص، ومنذ البداية على:
ا ـ أن تستجيب برامجها لطموحات الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، في التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، حتى تصير البرامج المذكورة، محفزة للجماهير الشعبية، على المشاركة في العملية الانتخابية، وبالحماس الكبير على إنجاحها في الاتجاه الصحيح، الذي يخدم مصلحتها.
ب ـ أن تلتزم بالابتعاد عن ممارسة الفساد السياسي، والانتخابي، وعدم ترشيح الفاسدين، وأن تكون غايتها، ليس الوصول إلى المؤسسات، بل توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بأوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبدورها في جعل الانتخابات معبرة عن إرادتها، بحرصها على المشاركة المكثفة / التصويت على البرامج العامة، والخاصة، والابتعاد عن (النعرات) القبلية، والعائلية، والطائفية، التي تغرق الشعب المغربي في العديد من الويلات، التي يؤدي ضريبتها في حياته اليومية؛ لأن الشعب المغربي شعب مغربي، وليس مجموعة من القبائل، والطوائف، والعائلات، التي تشتغل على الأبعاد القبائلية، والطائفية، والعائلية، لفرض تكريس شخص معين، على القبائل، أو الطوائف، أو العائلات. وهذه الجماعة، أو تلك، في هذه الجهة، أو تلك، وعلى المستوى الوطني، حتى يصير ذلك الفرض وسيلة لممارسة النهب، لصالح فلان، أو علان، ولتوظيف الجماعات، أو الجهات، أو البرلمان، لخدمة مصالح هذه القبيلة، أو تلك، أو هذه الطائفة، أو تلك، أو هذه العائلة، أو تلك، مما يتناقض مع مصلحة الشعب، ومع المصلحة الوطنية العليا.
ج ـ أن تحرص في ممارستها على فضح كافة أشكال الفساد الإداري، والسياسي، الذي تمارسه الأجهزة المخزنية، وتوعية الجماهير الشعبية الكادحة، بخطورة الفساد الإداري، والانتخابي، والعمل على محاربة الفاسدين، والتبليغ بهم، واتخاذ الإجراءات الضرورية لمحاكمتهم، وتنظيم الاحتجاج ضد السلطات التي لا تقوم بأية ممارسة لمحاربة الفساد، ولوضع اليد على المفسدين، وإنجاز محاضر في الموضوع، وتقديمهم إلى القضاء، مهما كان مستواهم الاجتماعي، حتى تتحمل السلطات مسؤوليتها، وتتخذ الإجراءات.
د ـ أن تعمل على توعية الجماهير، ببرامج الأحزاب الديمقراطية، والوطنية، وإقناعها بالتصويت عليها، وتوعيتها بخطورة الأحزاب الرجعية: اللا ديمقراطية، واللا تقدمية، حتى تصير الجماهير على بينة من كل البرامج المعروضة في الانتخابات، من أجل اعتماد الوعي بها، في الاختيار الحر، والنزيه، أثناء إجراء عملية الاقتراع، في أفق تكريس احترام إرادة الشعب المغربي، وإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تعمل على خدمة مصالح الشعب المغربي: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى تغيير تلك المصالح، بما ينسجم مع طموحات الشعب المغربي، في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، حتى تطمئن الجماهير الشعبية الكادحة على مستقبلها، وعلى مستقبل أجيالها الصاعدة، التي ستعطي وجها آخر للمغرب، بعد تربيتها على الديمقراطية، وحب الوطن، وعلى البذل والعطاء.
4) إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تكون في خدمة مصالح الشعب المغربي، على مستوى التشريع، وعلى مستوى التنفيذ، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا؛ لأن الغاية من أي انتخابات، كيفما كان نوعها، هي إيجاد من يمثل المعنيين في تلك الانتخابات، في المؤسسات المستهدفة بالانتخابات. والشعب المغربي هو المعني هنا بالانتخابات، والمؤسسات المستهدفة بالانتخابات التي تجري في المغرب، هي المجالس المحلية، والإقليمية، والجهوية، ومؤسسة البرلمان بغرفتيه. والمقياس الذي نعتمده في اعتبار المؤسسات المنتخبة في المغرب شعبية، أو غير شعبية، هو مدى تجندها في خدمة مصالح الشعب، أو تفرغها لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، والمؤسسات المخزنية، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للشعب المغربي؛ لأن الانتخابات إذا كانت حرة، ونزيهة، يصير المنتخبون في خدمة الشعب الذي انتخبهم، وإذا لم تكن حرة، ونزيهة، يصير المنتخبون في خدمة الجهات التي مكنتهم من الوصول إلى المجالس، بطرق تنتفي فيها الحرية، والنزاهة. ولذلك، فمنذ البداية، يجب أن يكون الإعداد القانوني، والمادي، والمعنوي، في أفق جعل الشروط مناسبة لإجراء انتخابات حرة، ونزيهة.
5) إيجاد حكومة ببرنامج هادف، لخدمة مصالح الشعب المغربي، وخاصة بعد إجراء الانتخابات المباشرة للغرفة الأولى، الفارزة للأغلبية، التي تكلف بتشكيل الحكومة، من أجل تفعيل برنامج الأغلبية، من القوانين الحكومية السنوية، ومن خلال مخططات معينة: ثلاثية، أو رباعية، أو خماسية، أو سداسية، أو سباعية.
ومقياس شرعية هذه الحكومة، يسري من خلال اهتمامها: إما بمعاناة الجماهير الشعبية الكادحة، في أفق تجاوز أسباب المعاناة، لتصير لتصير بذلك حكومة جماهيرية / شعبية / ديمقراطية، منفرزة عن انتخابات حرة، ونزيهة، انطلاقا من برنامج يستجيب لإرادة الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، مما يساهم بشكل كبير في رفع مستوى الجماهير الشعبية، حتى ترتقي بسلوكها إلى مستوى الانخراط في النضال الواسع، والهادف إلى تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وإما بخدمة المصالح المخزنية، ومصالح الطبقة الحاكمة، وكل من يدور في فلكها، ومصالح باقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، لتصير بذلك غير ديمقراطية، وغير جماهيرية، وغير شعبية، تعبيرا عن انتخابات غير ديمقراطية، وغير حرة، وغير نزيهة، كما يحصل في المغرب، منذ بداية الستينيات من القرن العشرين.
6) الاشتغال على نتائج الانتخابات، لبناء مغرب متقدم، ومتطور. والتقدم، والتطور، مفهومان نسبيان، كل طبقة تفهم منهما ما يناسبها. فالتقدم، والتطور بالنسبة للمؤسسة المخزنية، يعني توظيف كل الإمكانيات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لخدمة مصالحها بنسبة متقدمة، والطبقة الحاكمة، تعني بالتقدم، والتطور، تحقيق المزيد من التراكم الرأسمالي، مما يعني مضاعفة استغلالهم للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يزدادون بذلك فقرا، والمستفيدون من الريع المخزني، يرون في التقدم، والتطور، ازدياد امتيازاتهم الريعية، التي يدخرون منها المزيد من الثروات، التي يوظفونها لإفساد الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمتاجرون في الممنوعات، يرون في التقدم، والتطور، ازدياد عدد مستهلكي مختلف أشكال الممنوعات، مما يرفع من عدد الشابات، والشباب المرضى، والمريضات، بسبب إدمانهم على استهلاك الممنوعات، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يرون في التقدم، والتطور، خدمة مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يؤدي بالضرورة إلى تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، بتفعيل البرنامج الانتخابي، الذي نال أغلبية الأصوات.
وبذلك نجد أن تفعيل الجانب الانتخابي، في الممارسة الديمقراطية، وإشراك الناخبين في الاختيار الحر، والنزيه، ومساهمة الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، في الرقي بالعملية الانتخابية، وإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تكون في خدمة مصالح الشعب المغربي، وإيجاد حكومة ببرنامج هادف، لخدمة نفس المصالح، والاشتغال على نتائج الانتخابات الحرة، والنزيهة، لبناء مغرب متقدم، ومتطور، تشكل غايات إيجابية، إذا كانت الانتخابات ديمقراطية، وحرة، ونزيهة، حتى تصير في خدمة مصالح الشعب المغربي. أما إذا لم تكن ديمقراطية، وحرة، ونزيهة، فإنها تؤدي إلى غايات أخرى.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال