أجبرت الحرب في سوريا نحو أربعة ملايين سوري على مغادرة بلدهم، ووصل كثيرون منهم إلى ألمانيا هذا العام. فكيف يقضي هؤلاء أول رمضان لهم في ألمانيا؟ وهل يفتقدون أجواء بلدهم؟ وبماذا يحلمون؟ ولماذا يعتصم بعضهم في رمضان أيضا؟
لاشيء غير اعتيادي يكسر رتابة الأسابيع والشهور الأولى للاجئ في ألمانيا: تقديم طلب اللجوء واستكمال الأوراق والإجراءات المعتادة، انتظار صدور قرار قبول طلب اللجوء أو رفضه، مراجعة المحامي لمن لديه حاجة له، والتعرف على المحيط الجديد. وهذا هو الحال أيضاً في المخيم الأولي لاستقبال اللاجئين في ضاحية "شبانداو" في برلين. هنا يتوزع اللاجئون بين عدة مجموعات: منهم من حصل على حق اللجوء، ومنهم من جاء قرار بترحيله، ومنهم من لا يزال معلقاً بين سماء الأمل وأرض الواقع. والآن حَلَّ رمضان ضيفاً على طالبي اللجوء من السوريين في ظل هذه الأجواء الجديدة وظروف عدم الاستقرار وحتى الجهل بالمصير.
التجمع حول موائد الإفطار
غير أن كل ذلك لا يمنع "الشيف" علاء، الذي مازال مصير طلبه للجوء معلقا، وغيره من الصائمين من الاستعداد لشهر الصيام وتحضير مائدة الإفطار. يحمل علاء (23 عاماً) شهادة الدبلوم بإدارة المنشآت السياحية وهو طباخ للمأكولات الفرنسية والإيطالية. "معظم لوازم رمضان من أطعمة وأشربه وبنسبة 90 بالمائة متوافرة هنا. بينما يضطر أخي في النرويج لقطع مسافة 70 كيلومتر للحصول على الخبز العربي"، يقول علاء، وهو يحضر شوربة العدس وطبق الكبسة الشهير. أما أحمد (28 عاماً)، الحلاق الدمشقي والصادر بحقه قرار بالترحيل فيقول: "لا يمكننا طبخ كل أطباق رمضان، فبعض الأطباق تحتاج إلى سيدة بيت خبيرة". يفضل البعض هنا الذهاب للمسجد للصلاة وتناول طعام الإفطار هناك ، ومن هؤلاء سامر حمّيد (41 عاماً)، وهو فلسطيني- سوري من مخيم اليرموك، وكان "معلما" وصاحب ورشة نجارة موبيليا في سوريا، وقال لنا: "نتبادل دعوات الإفطار مع المعارف هنا، ونذهب أحياناً لموائد الرحمن في المسجد".
أبو الورد (28 عاما)، ترك فصله الدراسي الأخير في كلية الاقتصاد وهرب من نيران الحرب، ووصل إلى ألمانيا قبل ثلاثة أشهر، ويخطط هو ومجموعة من الأصدقاء هنا في مخيم اللجوء لخلق جو أسري رمضاني، وذلك بأن يصنع كل منهم طعاماً معيناً ثم يلتقي الجميع على مائدة واحدة للإفطار، وربما يتوجهون بين الحين والآخر للإفطار في المسجد.
الأجواء الروحانية موجودة أيضا
وإذا كان هناك من يستعد لرمضان بتحضير أنواع الطعام والمأكولات السورية وتناول الإفطار سويا للعيش في أجواء تشبه الوطن؛ فإن الأجواء الروحانية لرمضان أيضا لم تغب عن الكثيرين رغم ظروفهم الصعبة. فأحمد، مثلا، لا يعرف حتى الآن مصير طلبه للجوء، وجاء رمضان فخفف من معاناته حسب ما قال لنا: "استعد نفسياً لاستقبال الشهر الفضيل منذ أسبوع. تملأ البهجة نفسي بقدومه. قبل رمضان كنت مشغولا بمراجعة المحامية ودائرة اللجوء والخوف من الترحيل إلى المجر، أما الآن فقد شَغَل رمضان وروحانياته كل وقتي: الصيام وقراءة القرآن والصلاة والاستغفار".
"لا تخلو أجواء رمضان والعبادات من بعض الخصوصية"، يعلق عامر (30 عاما)، الذي يحمل شهادة الإجازة في الأدب العربي ويرزح هو الآخر تحت رحمة اتفاقية دبلن: "في سوريا كنا نفطر ونصلي بكل أريحية دون ضغط الوقت. أما هنا فتنتهي صلاة التراويح في وقت متأخر. بالكاد يمكننا اللحاق بمترو الأنفاق للعودة لمخيم اللجوء". أما سامر حميد فمعجب بـ"الراحة والحرية والأمان في ألمانيا؛ حتى المساجد أصبحت غير آمنة في سوريا"، حسب قوله.
افتقاد الجو الأسري وحلم العودة
ورغم ذلك يفتقد الجميع هنا الأسرة والأجواء العائلية الرمضانية الحميمة. ويقول أبو الورد، الذي نال حق اللجوء في ألمانيا ويقضي أول رمضان له بعيداً عن أسرته: "أحاول قدر الإمكان عدم التفكير بحقيقة وجودي بعيدًا عن أهلي وأسرتي في رمضان. أحاول إشغال نفسي بأي شيء لنسيان ذلك. لكني أعود وأحمد الله على أنهم بخير وأنني بخير".
عبد الرحمن الحافظ (37 عاما)، مدير سابق للموارد البشرية بشركة في الإمارات، وموجود هنا في ألمانيا منذ تسعة شهور ويقول بتفاؤل أكثر: "الحمد لله لم أشعر بالتعب خلال النهار الطويل، الذي أذهب فيه للمدرسة الشعبية (فولكس هوخ شوله) لتعلم اللغة الألمانية. تشعرني صحبة الشباب والذهاب للصلاة في المسجد بجو رمضان ويعوضنا ذلك قليلاً عن الأسرة".
يراود البعض هنا حلم العودة إلى سوريا وحلم عودة سوريا كما كانت عليه قبل أكثر من أربع سنوات، ويقول سامر حميد: "إذا رجع الأمان إلى سوريا، سأرجع إلى بلدي". يذهب أبو الورد في نفس الاتجاه ويضيف: "أتمنى لكل البشر السكينة والهدوء، ولبلدي أن يعود كما كان. أسعى لتطوير ذاتي هنا من ناحية الدراسة والعمل، ولكني أعتبر نفسي ضيفاً هنا ولابد من العودة، لأن الزوجة (ألمانيا) لا تغني عن الأم (سوريا)".
اعتصام وإفطار و"نارجيلة"
قبل مجيء شهر رمضان بدأ لاجئون سوريون وبمشاركة قوية من نشطاء ألمان اعتصاماً في مدينة دورتموند في التاسع من حزيران الجاري للمطالبة بوقف ترحيل السوريين، "لأنه تم إجبارهم على تقديم طلب اللجوء بالقوة في إيطاليا والمجر وغيرها من دول اتفاقية دبلن". ويحرص المعتصمون على استمرار الاعتصام في رمضان أيضا؛ لذا فإنهم يجهزون وجبة إفطار يومي. ويقول صخر محمد، المسؤول الإعلامي للاعتصام إنهم يجهزون الإفطار من التبرعات العينية من طعام وشراب، كما قَدَّم أحد المساجد وجبات إفطار، ويضيف: "تناول طعام الإفطار حوالي 80 معتصما، من بينهم 20 ألمانيا من غير المسلمين المعتصمين معنا. وبعد الإفطار جاء بعض عناصر الشرطة بوجبة طعام وقطع شوكولاتة".
وبعد يوم صيام طويل وصلاة التراويح يسرع عبد الرحمن الحافظ الخطى إلى مخيم اللجوء؛ فالوقت بين الوصول لغرفته والإمساك قصير جدا. وفي غرفته تنتظره رفيقة دربه منذ 18 عاما، إنها "النارجيلة" بطعم "معسل التفاحتين".
خالد سلامة
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال