تدور فى العراق، والشام، وليبيا، واليمن رحى عدة حروب أهلية. ومع كل حرب جديدة تطفو على السطح فكرة أن الحرب الجوية aerial warfare غير حاسمة لقضاء طرف على آخر، ولا لاحتلال أرض أو تحريرها أو الانطلاق منها وأنه فى سبيل الانتصار لا بد من حرب برية، دفاعية أو هجومية.
فهل تُعتبَر الحرب الجوية غير حاسمة بصورة مطلقة، أم هناك عوامل تجعلها حاسمة أو غير حاسمة؟
وإذا كانت للحرب الجوية حدود، فما هى العوامل التى تجعلها حاسمة أو غير حاسمة.
ولا يتحقق مفهوم الحرب الجوية لمجرد استعمال أسلحة جوية، بل لا بد أن يكون السلاح الجوى سلاحه الحاسم. ومنذ الحرب العالمية الأولى صار استعمال السلاح الجوى حاسما، إلا عندما تفتقر الأطراف المتحاربة إلى قوة جوية حاسمة.
وينطبق مفهوم السلاح الجوى ليس فقط على الطائرات المقاتلة والقاذفة وغيرها وقواعدها ومختلف وسائل نقلها وتخزينها بل يشمل كل سلاح محمول جوا كالصواريخ، وإنْ تم إطلاقها من غواصات فى أعماق البحار.
وتَستعمِل الحروب حتى أسلحة دمار شامل كالأسلحة الكيميائية والبيولوچية والميكروبيولوچية والقنابل العنقودية وغيرها، والاستثناء هو القنابل النووية لأن دمارها الشامل ليس محصورا فى مناطق، بل يشمل كل مكان على ظهر الكوكب.
ولنشأة وتطور كل سلاح حربى تاريخ طويل. ومن العربات الحربية وسفن الحرب البحرية منذ أكثر من آلاف السنين، إلى الدبابات والسفن والطائرات الحديثة المتقدمة فى العصر الحديث، تطورت أسلحة الحرب وتطورت صناعاتها التى تنتج أسلحة خطيرة وفتاكة وحاسمة، إلى حد تسمية حروب بأسمائها.
ومع تطوُّر أسلحة الحرب الجوية تطورت أسلحة دفاعية وهجومية قديمة وحديثة لمقاومتها وتحييدها.
وترتبط حسابات فاعلية الحرب الجوية بواقع أن بعض البلدان المتقدمة هى التى تملك وسائل الحرب الجوية ووسائل مقاومتها وتحييدها وحتى استباق تطوراتها عند الخصم أو العدوّ.
وتكاد تنعدم احتمالات الحرب بين جيشين متقدِّمين متكافئين، ولهذا، بين أشياء أخرى، تلجأ دُوَل كبرى إلى الحروب بالوكالة، كما أنه توجد صعوبة بالغة لحرب متناظرة symmetric warfare بين جيشين متوسطين متكافئين، لأن مثل هذه الجيوش تحسب لكل شيء حسابه عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
وهناك بالمقابل بلدان متأخرة وتابعة ولا تملك بالتالى وسائل الحرب الجوية، وإنْ امتلكت هذه البلدان وسائلها بمستويات متفاوتة، فإن نسبة حاسمة من هذه الوسائل وبالأخص تلك المتقدمة تكون مستوردة من دول كبرى تُحدِّد ما يمكن تصديره إليها.
وفى الحرب بين بلد يملك وسائل الحرب الجوية وآخر لا يملكها، ولا يملك الوسائل الدفاعية اللازمة تكون نتائج الحرب بديهية. ويملك هذا البلد أو ذاك وسائل الهجوم والدفاع معا أو يفتقر إليها معا. وفى الحرب بين بلد ضعيف عسكريا وآخر أقوى نسبيا تكون النتيجة لصالح الأقوى.
وتختلف الحرب بين جيشين نظامِيَّيْن عن الحرب بين جيش نظامى وجماعات مسلحة. وقد رأينا جيش صدام حسين ينهار فى أقل من ثلاثة أسابيع عند خروجه إلى الصحراء لمواجهة الجيش الأمريكى فى الحرب البرية، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن من إلحاق هزيمة بفلول جيش صدام والجماعات الإسلامية.
وكان الجيش الأمريكى هو الأقوى، ولكن إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش العراقى كان بفضل الحرب الجوية التى حددت نتيجة الحرب البرية؟ ومن قبل انتصرت الحرب الجوية "الخالصة" على العراق فى عهد چورچ بوش الأب فى مارس 2003 وفرضت حصارا طويلا وعقوبات فعالة وجعلت كل الحروب التالية سهلة، باستثناء الحرب على تنظيمات الإسلام السياسى.
ويمكن أن تكون الحرب الجوية حاسمة بشرط استبعاد "الحسابات الأخلاقية" المرهفة للأعداد الضخمة من القتلى والجرحى، وذلك بحكم المهمة الكبرى المتمثلة فى التخلُّص من نظام صدام حسين وترويضه وإلحاقه بالحظيرة الأمريكية.
وفى الحرب على أفغانستان استمرَّت الحرب الجوية قرابة أربعين يوما قبل النزول للحرب البرية المستمرة إلى الآن ولكن الاحتلال كان سهلا. وهنا مثال مهم للحرب الجوية السريعة الحاسمة حقا وفى الوقت نفسه للحرب اللامتناظرة asymmetric warfare التى تستمر طويلا رغم عدم التكافؤ وقد تنقلب النتائج، وأظن أن حرب ڤ-;-ييتنام كانت تنتمى إلى هذا النوع.
وكانت الحرب الجوية الخالصة هى حرب كوسوڤ-;-و. وكما يؤكد إينياسيو رامونيه فى كتابه "حروب القرن الحادى والعشرين" (ترجمتى العربية)، كانت حرب حلف الأطلنطى (يونيو 1999)، بقيادة الچنرال الأمريكى ويزلى كلارك Wesley Clark على يوغسلاڤ-;-يا السابقة، على أساس مبدأ "القتيل صفر" (أو: "صفر من القتلى") zéro mort حربا من نوع جديد، فبعد شهرين من القصف المتواصل، لم يمت عسكرى واحد من حلف الأطلنطى أثناء الحرب.
ومع أن المهام الجوية تجاوزت 25 ألف مهمة كانت الخسارة طائرتين تمت استعادة طياريْهما سالمين.
أما يوغسلاڤ-;-يا فقد تم تدمير أبنيتها الأساسية العسكرية والصناعية والمحطات الكهربائية، وطرق المواصلات الرئيسية: الجسور، والسكك الحديدية، وطرق السيارات. وقُتل عدة آلاف من العسكريين الصرب. ووفقا لبعض الچنرالات الأمريكيين، أعيد البلد عقدين من الزمان إلى الوراء.
خليل كلفت
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال