ارتفعت الديون الخارجية التونسية إلى مستويات قياسية جديدة، في وقت يتواصل فيه الشلل الاقتصادي وتتواصل الاحتجاجات والإضرابات للمطالبة بزيادة الأجور، بالإضافة إلى احتجاجات العاطلين عن العمل.
كشفت وزارة المالية التونسية أن ديون تونس الخارجية، ارتفعت إلى مستويات قياسية مقلقة، وأصبحت تزيد بنحو 60 بالمئة عما كانت عليه قبل ثورة يناير 2011.
وأوضح وزير المالية التونسي سليم شاكر، أن حجم الديون الخارجية ارتفع في نهاية العام الماضي بنحو 8 مليارات دولار، مقارنة بما كان عليه في نهاية عام 2010، ليصل إلى نحو 21.3 مليار دولار.
وقال إن الدولة تقترض أولا من أجل استثمار تلك القروض في مشاريع تنموية منتجة، لكنّها تضطرّ في معظم الحالات إلى توظيف جزء من تلك القروض لسداد أجور موظفي القطاع العام.
وتظهر إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية أن نحو 800 ألف شخص يعملون في القطاع العام، بينما كشف محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أن الدولة تدفع شهريا نحو 417 مليون دولار لموظفي القطاع العام.
وتقول مؤسسات مالية دولية، إن القطاع العام في تونس غير منتج في أغلبه، وإنه يلتهم من مخصصات الاستثمار، الأمر الذي يفاقم أزمة الديون الخارجية.
وعزا سليم شاكر ارتفاع حجم الديون الخارجية بالأساس إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي، الذي قال إنه تراجع إلى أقل من 3 بالمئة من نحو 5 بالمئة قبل الثورة.
وأوضح أن تدهور قيمة الدينار التونسي مقابل اليورو والدولار كبّد الدولة خسائر مالية كبيرة. مشيرا إلى أن التهرب الضريبي والتهريب أثرا سلبا على موارد الدولة المالية وتسببا في خسائر ضخمة.
وتقول الحكومة إن الاقتصاد الموازي (غير الرسمي) يمثل نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد التونسي.
وكان رئيس الحكومة الحبيب الصيد قد أقرّ بأن الاقتصاد التونسي في وضع كارثي. وقال إنه لا يملك عصا سحرية لحلّ الأزمة الاقتصادية، لكن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ردّوا عليه بالقول إن الشعب التونسي لا يملك صبر أيوب.
ويرى وزير المالية أن الحل يكمن في الوقت الراهن في رفع معدلات النمو الاقتصادي من خلال عودة الناس إلى العمل وزيادة الإنتاجية والاستثمار.
ودعا رجال الأعمال التونسيين إلى الاستثمار في بلادهم، لتعويض نقص الاستثمارات الأجنبية. وقال إننا سنحاول في مرحلة ثانية جلب الاستثمار الأجنبي.
وتسببت التوترات الأمنية والعمليات الإرهابية وسوء البنية التحتية والاعتصامات العمالية للمطالبة بزيادة الأجور، في فرار معظم المستثمرين المحليين والأجانب، فيما لاتزال أرصدة عدد من رجال الأعمال التونسيين مجمدة بدعوى الفساد ولعلاقاتهم السابقة بنظام بن علي.
وقال سليم شاكر، إن تونس تحتاج خلال السنوات العشر القادمة إلى حوالي 103.3 مليار دولار لتحقيق نمو اقتصادي وتوفير فرص عمل للعاطلين.
وأظهرت بيانات البنك المركزي التونسي، أن الاقتصاد لم يحقق بعد، الانطلاقة المنشودة والخروج من مرحلة الركود التي يشهدها منذ ثورة يناير، مشيرة إلى أن نسبة النموّ لم تتخطّ 2.3 بالمئة.
وكان صندوق النقد الدولي، قد توقع أن يحقق الاقتصاد التونسي خلال العام الحالي نموا بنحو 3 بالمئة، وهي نسبة غير كافية لامتصاص طلبات التشغيل الهائلة.
وأثار ارتفاع الدين الخارجي، جدلا في البرلمان التونسي، بعد أن عارضت كتلة الجبهة الشعبية مشروع اتفاقية قرض من الجزائر بقيمة 100 مليون دولار بفائدة تبلغ 1 بالمئة ومدة سداد تصل إلى 15 سنة.
وقال الجيلاني الهمامي، النائب عن كتلة الجبهة الشعبية المعارضة، إن هذا القرض “سيفاقم الديون الخارجية، منتقدا سياسة الاقتراض الحالية، لكن كتلة نداء تونس اعتبرت كلامه مزايدة سياسية طالما لم يقدم حلولا بديلة وعملية.
وصادق البرلمان التونسي في النهاية على اتفاقية القرض التي توصلت إليها الحكومة التونسية مع نظيرتها الجزائرية في 10 مارس الماضي، والمخصص لدعم موازنة 2015.
وكان وزير المالية التونسي قد أعلن في أبريل الماضي أن تونس بحاجة إلى 1.3 مليار دولار من التمويل والقروض الأجنبية لتغطية عجز الموازنة لهذا العام.
وقالت الحكومة في الشهر الماضي، إنها تخطط لبيع حصص أقلية في عدد من البنوك التي تديرها الدولة هذا العام بهدف جمع نحو 670 مليون دولار للإسهام في خفض العجز.
ودعت مرارا إلى تهدئة اجتماعية من أجل تنشيط القطاعات الحيوية ورفع الإنتاج كخطوة قد تساعد على مواجهة تراجع النمو الاقتصادي.
لكن دعواتها لم تلق صدى، حيث تتواصل الاحتجاجات والاعتصامات للمطالبة بالتشغيل، ما تسبب في توقف الإنتاج في عدد من القطاعات الحيوية بينها قطاع الفوسفات.
وتواصلت الاحتجاجات الاجتماعية أمس لليوم الثاني على التوالي بمحافظة قبلي جنوب البلاد للمطالبة بتوفير فرص عمل في الجهة التي تعاني من ارتفاع نسب البطالة فيها خاصة في صفوف الشباب.
ويطالب المحتجون بتشغيلهم في شركات بترولية تعمل في الجنوب وتتمتع بعقود تنقيب، خاصة بعد الإعلان عن اكتشافات بترولية جديدة.
وبعد أن أمنت انتقالا سياسيا، امتد لأربع سنوات، تستعد تونس للانطلاق في إصلاحات هيكلية للاقتصاد حتى نهاية العام الجاري، تلبية لضغوط المؤسسات المالية العالمية مقابل الاستمرار في ضخ القروض.
لكن تأخر برامج التنمية وغياب الاستثمارات في المناطق الداخلية، التي أعلنت عنها الحكومة في وقت سابق، عززا من حالة الغضب والاحتقان لدى العاطلين والطبقات الفقيرة في تلك المناطق الأقل حظا في التنمية والاستثمار.
ميادين الحرية/العرب
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال