احتفلت برلين ومعها العالم الغربي كله، بالذكرى 28 لسقوط جدار برلين، ذلكم الجدار الذي رفع بنيانه على مسافة طولها 15 كلم عام 1961، فاصلا المدينة الالمانية الأوسع (ثاني مدينة اوروبية) برلين الى شطرين، أحدهما سمي بالشرقي نسبة لألمانيا الشرقية التي كانت تنضوي تحت المعسكر السوفياتي، والآخر للمعسكر الغربي الذي أسهم بقوة في دعم ألمانيا..
سقوط جدار برلين الذي تزامن مع سياسة آخر زعماء الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف الشهيرة بالبريستورويكا، والتي كانت محفزا لعشرات الالاف من المواطنين الألمان لتحطيم ذلكم الجدار “اللعنة” يوم 1989/11/09؛ كان سقوط ذلكم الجدار مؤشرا على بداية عهد اوروبي جديد وليس ألماني فقط، ففي أقل من عام أعلن عن توحد ألمانيا 1990/10/03 ولم تمر على الحدث سنتان ونيّف، حتى أعلن في 1992/02/07 وفق معاهدة ماسترخت عن تأسيس الاتحاد الاوروبي، الذي يفوق عدد دوله عدد الدول العربية، ويزيد تعداد سكانه عن تعداد سكانها، فضلا عن فارق اللغة والدين والتاريخ؛ ولا أعتقد أن القارئ في حاجة لاستعراض ما وصل اليه الاتحاد الاوروبي، من يوم سقوط جدار برلين الى ساعة الناس هذه.
غير أن الذاكرة عادت بالكاتب لضرورة المناسبة الى عام 1989، وتداعت صور واقعنا العربي في تلكم المرحلة تحديدا، متسائلا بجدية كيف بلغت بنا الحال ما بلغت؟ فعام قبل سقوط جدار برلين أي عام 1988 وقعت في عالمنا العربي أربع متغيرات كانت غاية في الأهمية،أولها حين وضعت فيه الحرب العراقية الايرانية (المصطنعة) اوزارها، بعد أن حصدت أكثر من مليون ضحية واستنزفت أكثر من 400 مليار دولار؛ وفيه أعيدت مصر قلب الأمة العربية وأكبر دولها، الى حاضنة جامعة الدول العربية، بعد قطيعة ناهزت العقد من الزمن؛ وفي ذات العام تم اعلان الدولة الفلسطينية بالجزائر العاصمة، بعد صراع طويل وثورة تعددت انتفاضاتها، وإنكار غربي على وجه الخصوص لأحقية اعلان الشعب الفلسطيني عن دولته، وفي نفس هذه السنة 1988 تم اللقاء التاريخي بين قادة دول المغرب العربي بمدينة زرالدة لأول مرة، ويعلن بتاريخه 1988/06/10 عن مشروع بناء المغرب العربي، والذي تم بالفعل الاعلان عنه وتأسيسه رسميا في مدينة مراكش 1989/02/17 يعني تسعة أشهر قبل سقوط جدار برلين. حين يستحضر المرء تلكم الصور الواقعية، يتساءل: أما كانت هذه المتغيرات مبشرة بعهد تنهض فيه الأمة فعلا؟ أما كانت مؤهلة لمرحلة جديدة يمضي فيها القادة العرب بقوة وبشكل أسرع، في ذات الاتجاه الذي مضى فيه قادة الدول الاوروبية؟ فما الذي حدث بعد ذلك؟.
إذا كان ما بين تحطيم جدار برلين 1989 وبين تأسيس الاتحاد الاوروبي 1992 قرابة ثلاثة اعوام، فماذا فعل قادتنا بعد الذي جاء ذكره في الفقرة السابقة؟ عام 1990/08/02 تم تحطيم جدار السيادة الوطنية والقطرية بكل مفاهيمها وأبعادها، حين قام العراق باحتلال دولة الكويت في 48 ساعة (أيا كانت التفاصيل التي عاش الكاتب جزء منها في الكويت وبعد ذلك في مصر، فلا يمكن حل الخلافات بالاحتلال العسكري)؛ الجدار الثاني الذي كان حاجزا بين القيادة الفلسطينية وكيان العدوالاسرائيلي، والذي تم تحطيمه في عام 1991 حين بدأت المفاوضات السرية بين منظمة التحرير الفلسطينية وكيان العدوالاسرائيلي، والتي اشتهرت بعنوان “اوسلو” وافضت لإعلان معاهدة في واشنطن 1993/09/13، ولا نفصل الكوارث التي انطوت عليها، ويتجرع خيباتها الى اليوم الشعب الفلسطيني؛ هدم هذا الجدار فتح بشكل أوسع المجال لخُطّاب ود العدو، وتلته بعد عام فقط معاهدة وادي عربة 1994/10/26، ليكون الاردن أول دولة عربية بعد مصر وقطيعتها، قاطرة ثانية تستجلب البقية من المقطورات العربية.
أما الجدار الثالث الذي تم نسفه، فهوالجدار العربي نفسه، حين أقر القادة العرب في القاهرة، ضرورة الاستعانة بالقوى التي كانت تحتل المنطقة العربية، ليس لتحرير الكويت فحسب، وإنما للإطاحة بصدام حسين وقلب نظام حكمه، تحت عنوان “تحرير العراق”؛ وشرّعت قبل ذلك حصارا دوليا على الشعب العربي العراقي امتد ثلاثة عشر عاما، راح ضحيتهأكثر ممن قضوا في الحرب العراقية الايرانية.
الجدار الرابع الذي تم هدمه وهولا يقل خطرا، ما حدث في الجزائر 1991/92 بعد وقف المسار الانتخابي، والذي تمثل في تحطيم ذلكم الحاجز القوي الشرعي والاخلاقي والانساني، بجواز القتل ومحاربة النظام، فاستباحت المعارضة تحت عناوين كثيرة كما التي نسمعها اليوم، من الدفاع عن النفس وشرعية الحكم والاطاحة بالنظام، أرواح وأعراض وأموال كل من خالف عناصرها الطرح والرؤية.
أما الجدار الثالث الذي تم نسفه، فهوالجدار العربي نفسه، حين أقر القادة العرب في القاهرة، ضرورة الاستعانة بالقوى التي كانت تحتل المنطقة العربية، ليس لتحرير الكويت فحسب، وإنما للإطاحة بصدام حسين وقلب نظام حكمه، تحت عنوان “تحرير العراق”؛ وشرّعت قبل ذلك حصارا دوليا على الشعب العربي العراقي امتد ثلاثة عشر عاما، راح ضحيتهأكثر ممن قضوا في الحرب العراقية الايرانية.
الجدار الرابع الذي تم هدمه وهولا يقل خطرا، ما حدث في الجزائر 1991/92 بعد وقف المسار الانتخابي، والذي تمثل في تحطيم ذلكم الحاجز القوي الشرعي والاخلاقي والانساني، بجواز القتل ومحاربة النظام، فاستباحت المعارضة تحت عناوين كثيرة كما التي نسمعها اليوم، من الدفاع عن النفس وشرعية الحكم والاطاحة بالنظام، أرواح وأعراض وأموال كل من خالف عناصرها الطرح والرؤية.
يبدومن واقع الحال، كما كان تحطيم جدار برلين 1989 ثم اعلان تأسيس الاتحاد الاوروبي 1992 مرحلة هامة في تاريخ الشعوب الاوروبية، ونقلة الى الأعلى والأحسن بالغة التميز، فإن – وللمفارقة- ذات المرحلة لدى القادة العرب بين عامي 92-89 كانت مفصلية لكن في الاتجاه المعاكس، حيث فتحت على شعوبها كل أبواب الجحيم؛ وإن كان الغرب قد حطم جدارا ماديا على أهمية رمزيته، ليبني اتحادا دوليا قويا ومتماسكا، انصهرت فيه الشعوب وذابت من جغرافيته الحدود، وشُطبت من قاموسه الجنسية القطرية والتأشيرة، فضلا عن النوازع البدائية الكامنة في اللاوعي المجتمعي؛ فنحن حطمنا جدرانا معنوية كانت متجذرة في عقيدة الأمة، لتغرق الشعوب في انهار من دماء الفتن الداخلية، ويتم تحطيم دول عربية بالآلة العسكرية الأمريكو- صهيونية، وتمزيق جغرافيتها وتشريد أهلها (السودان-ليبيا-اليمن-سورية والحبل على الجرار)، وأحيينا عوامل ومفردات طوتها صفحات مظلمة من تاريخنا منذ مئات السنين.
لا ندري إن كان القادة العرب، وقوم تُبّع من كُتّابهم ومُفكريهم يرون هذا الواقع المقارن البائس؟ لكن المؤكد أن الأمتين العربية والاسلامية قد زُج بهما في هذه الطاحونة الجهنمية غصبا، في حين يستفرد العدوالاسرائيلي بالشعب الفلسطيني، وإن كان من قبل يعُدُ السنوات لهدم المسجد الأقصى، فقد بات بفضل قادتنا العرب اليوم يعد لهذه الجريمة علنا بالأيام فقط؛ لا ندري وقد أوقدوا من أبراجهم العالية وقصورهم المنيفة، الفتن الطائفية والعصبية في معظم الأقطار، لتغييب عقل الأمة عن العدوالأصيل، والتعمية عليه، الى حين أن يتحقق هدفه -لا قدر الله- هل حينها تتهم طائفة بعينها من المسلمين؟ أم تتهم دولة مسلمة بالتفريط في الاقصى الشريف والقدس وكل فلسطين؟ اي مشجب ليت شعري سيبتدعون؟والواقع يوثق بالصورة والصوت والقلم،حقيقة خلاصتها: أن أغلبهم يجاهر بتسول رضوان العدوالاسرائيلي؛ هذه نتيجة سقوط جدار برلين، وهذا حصاد الجدران التي اسقطها ساسة ونخب العرب، بيني وبينكم: بت أكثر قناعة بأن الزعماء العرب لن يتحركوا لتحرير القدس وفلسطين، إلا بعد أن تحتلها (وفق توصيفهم) ايران أوحزب الله، دون ذلك فالحروب الاهلية أولى، وتخريب بعض الدول العربية وتمزيقها أهم.
اسماعيل القاسمي الحسني
لا نستبعد ان يهاجم العرب غزة او يهاجموا حزب الله في لبنان ، لتكتمل صورة التناحر العربي ، من اجل ان ترتاح اسرائيل بصفة نهائية ..اما هدم المسجد الاقصى او بقاؤه واقفا من اجل امة ميتة فلا معنى له ..وهل لمكة معناها التي تستحقه و يرتضية اسلام محمد عليه السلام وكذلك المدينة المنورة .. وقس على ذلك ما بقي للعربي من قيمة بين الدول صغيرها وكبيرها ..العربي القذر كما يسميه العجم .. الذليل الحقير داخل وطنه وبيته وبين اولاده .
RépondreSupprimerلا نستبعد ان يهاجم العرب غزة او يهاجموا حزب الله في لبنان ، لتكتمل صورة التناحر العربي ، من اجل ان ترتاح اسرائيل بصفة نهائية ..اما هدم المسجد الاقصى او بقاؤه واقفا من اجل امة ميتة فلا معنى له ..وهل لمكة معناها التي تستحقه و يرتضية اسلام محمد عليه السلام وكذلك المدينة المنورة .. وقس على ذلك ما بقي للعربي من قيمة بين الدول صغيرها وكبيرها ..العربي القذر كما يسميه العجم .. الذليل الحقير داخل وطنه وبيته وبين اولاده .
RépondreSupprimer