يسد التعقيب ثغرة ويترك فجوة. أدبيات المقاومة الفلسطينية غنية في تعداد مآثر الشراكة اللبنانية الفلسطينية، وهي على مستوى من النبل المبدئي والبذل النضالي. غير أن مواقف «المستوى الرسمي»، بسبب انجذابها إلى المحاور المفجرة والمتفجرة في الإقليم، لم تكن على رقعة «رابط المقاومة» التي جمعت لبنان وفلسطين، كثنائي متحد إلى حد التشابه، كما جاء في التعقيب، إذ يصعب التمييز بين فئة الدم الفلسطيني واللبناني، في ساحات المواجهة. وهذا ليس ماضيا، أو من الماضي، بل هو حاضر، واستعداد لأكثر.
تلك حقائق «يجب ألا تغيب». فلماذا غابت على المستوى الرسمي؟ «ما جمع بين حماس وحزب الله واضح ومعروف»، كما جاء في التعقيب. فلماذا هذا التناسي أو النكران؟ ما حصل في المنطقة، وهو بحجم الأهوال العظيمة، أصاب «ما بين حماس وحزب الله» بشرخ، عبر عنه الاحتفاء بانتصار غزة على العدو الإسرائيلي، بقيادة «حماس» والفصائل، وبصمود شعب الجبارين. ففيما كانت يد الفلسطيني على الزناد والصاروخ والـ... كانت المقاومة الإسلامية عينها على يقين الانتصار. هذا نهجها.
لم تكن كلماتي للتراشق الإعلامي. معاذ الحق والحقيقة. كانت تعبيراً عن قلق وحزن، وتحذيراً من مغبّة التمذهب. والشواهد في الإقليم فضّاحة ودامية ومدمرة. الشعور باحتكار الانتصار وتنسيبه لغير أهله المقاومين، هو نتيجة لكلام، يُمنَع فيه جمهور لبناني واسع من الانتساب إلى غزة وفلسطين. وهذا من المستحيلات. فما جمعته المقاومة اللبنانية والإسلامية بفلسطين، لا تفصمه قوى عظمى، إنما تخدشه قوى تنشدُّ إلى مذهبيتها أكثر من انشدادها إلى قضيتها الجامعة.
كلماتي، تحذير، ربما فات أوانه، لمخاطر تسلُّلِ المذهبية الطاعنة بدمائنا، والتي شطرت المشرق إلى فسطاطين فادحين، يعلو فيهما صوت التكفير وسيف التقتيل. أما كان ممكنا إيقاف تداعيات الكارثة على عتبة المقاومتين، فتنأيان بنفسيهما عن «الفتنة العظمى»؟ بكل أسف، لهذين المحورين، جاذبية الفتنة والتدمير، وما تبثه من خوف على المقاومتين: هنا في لبنان، وهناك في فلسطين.
رأب الصدع ممكن. وأد الخلاف سهل. أما تركه، فيستدرج السؤال: من تبقَّى لنا كي نستمسك بالعروة الوثقى، وبفلسطين؟ لا أحد!
لقد أصيبت حاضنة «حزب الله» وحاضنة «حماس» بخلل كبير. هذا إثم، بل ومن الكبائر. أن يصبح الأخواني السني أقرب إلى «حماس» من قادة وشهداء المقاومة اللبنانية و«حزب الله» تحديداً، وأن يصبح الشيعي في منازعه ومنازعاته، أقرب إلى «حزب الله» من «حماس»، فذلك بدعة. لقد أوصلتنا الردة المذهبية إلى هاوية نتقدم إليها بأقدامنا.
المسيرة المعاكسة التي سيقودها حلف المقاومة، بمن يتولَّى الأمرة الميدانية، هي الرد الاستراتيجي، على هذا الخراب العام الذي يجتاح محيط فلسطين.
ليت هذا يحدث غداً، لأن بعد غد، سيكون عصراً آخر، لا يبقى فيه شعب أو قضية، في أمة نكبت بفائض المذاهب، كما نكبت بفائض الظلم والاستبداد والديكتاتورية.
نصري الصايغ
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال