كثيرة هي مقابلات الرئيس السوري بشار الاسد هذه الايام، فلا يمر اسبوع دون ان نتابع مقابلة في هذه المحطة او تلك الصحيفة، والهدف الاساسي من هذه المتابعة هو البحث عن جديد يصلح لعنوان، او موضوعا لمقاله، وهي مهمة صعبة بسبب تكرار الاسئلة والاجوبة في آن، وجمود الاوضاع في جبهات القتال مع استثناءات محدودة.
في مقابلته الماراثونية التي اجراها معه الزميل غسان بن جدو لقناة الميادين (استمرت ساعتين) كان هناك الكثير من الجديد، حيث تحدث باريحية عن جميع القضايا تقريبا، وبطريقة مختلفة عن كل المقابلات السابقة، تحدث عن اسباب الخلاف مع قطر وعن الدور السعودي في الحرب السورية الراهنة، وعن الموقف من المصالحة مع حركة “حماس″ واسهب في شرح وجهة نظره حول مؤتمر جنيف الثاني.
النقطة المحورية في المقابلة تمثلت في صب جام الغضب على حركة الاخوان المسلمين، والدور الذي لعبته وتلعبه في التحريض للاطاحة بنظام حكمه، وتقديمها لفكر الجماعة على اي اعتبارات اخرى، بما في ذلك فكرة المقاومة، وهذا المنطلق ينطبق على رجب طيب اردوغان والشيخ يوسف القرضاوي وحركة حماس.
الرئيس بشار الاسد كان للمرة الاولى هجوميا في تعاطيه مع خصومه، متشددا في فرض شروطه من اجل المصالحة معترفا بان الوقائع في جبهات القتال حاليا يمثل لصالحه وصالح قواته، مركزا على مواجهة ما اسماه بالارهاب، مؤكدا بطريقة غير مباشرة عن استعداده للتنسيق مع الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الاخرى مثلما تعاون معها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
مقابلة الرئيس بشار كشفت عن مواقف واضحة باغلاق جميع الابواب في وجه حركة المقاومة الاسلامية حماس وعودتها او قياداتها الى سورية، وكان قاسيا في وصفها بالانتهازية وتقديم فكر جماعة الاخوان على مبدأ المقاومة، وهذا يعني ان كل ما قيل في هذا الخصوص، اي المصالحة مع حماس غير دقيق فالجرح اعمق مما يتصوره الكثيرون.
في تقديري الشخصي تتمحور استراتيجية الرئيس الاسد ونظامه حاليا حول الوقوف في المعسكر الغربي الذي بدأ يشحذ صفوفه لتصفية الجماعات الجهادية، وتوصل الى قناعة بان الاطاحة بنظام حكمه لم تعد تحتل قمة الاولويات بالنسبة الى الولايات المتحدة واوروبا، ويمكن استخلاص ذلك من خلال كشفه لاول مرة بأنه راغب في الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، ولا يوجد ما يمنعه من ذلك، ولكن من الواضح ان هذه الانتخابات لن تجرى في موعدها، وقد تتأجل لعامين او اكثر وفق نصوص الدستور.
ولعل ما هو اخطر من ذلك النزعة الانتقامية التي يمكن رصدها من خلال ثنايا المقابلة، تجاه الدول التي دعمت المعارضة السورية المسلحة، وخاصة قطر والسعودية وتركيا، بالمال والسلاح فلم يظهر اي توجه نحو مسامحة هذه الدول الثلاث او الغفران لها، وتحدث بسخرية مريرة عن قطر التي قدمت له نصائح بالديمقراطية والاصلاح، وقال انها ارادت اعادة صياغة انظمة الحكم في المنطقة وهذا اعنف هجوم من نوعه، كما اراد الاسد الوقيعة بين السعودية من ناحية وقطر وتركيا من ناحية اخرى عندما كشف ان الاخيرتين تدخلتا لديه لدعم عودة سعد الحريري كرئيس للوزراء في لبنان بدلا من نجيب ميقاتي الذي تدعمه السعودية، وربما هذا ما يفسر تراجع حظوظ الاول لدى السعوديين وهو ابنهم وقضاء معظم اوقاته هذه الايام في باريس وليس الرياض.
حظوظ مؤتمر جنيف الثاني في الانعقاد تبدو معدومة، وان انعقد فلن ينجح، لان الرئيس السوري لا يعترف بالمعارضة الخارجية ولا يرى اي دور لحركة الاخوان المسلمين في اي حوار حول مستقبل سورية، ويريد معارضة داخلية معظمها تعمل برضاء النظام وتحت خيمته، ونادرا ما تتجاوز الخطوط الحمراء التي يرسمها لها.
الشخص الوحيد الذي حصل على عفو من الرئيس السوري هو السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي بعد قطيعة استمرت اكثر من عام، والخطيئة التي ارتكبها هي مطالبته له، اي للرئيس بشار بان لا يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وكانت هذه المطالبة هي القشة التي قسمت ظهره، واغلقت ابواب دمشق في وجهه، ومن المؤكد ان المبعوث الدولي فهم هذه الرسالة، مثلما فهم مفهوم الحياد عند الرئيس السوري.
الاسد، وفي ظل صمت الآخرين، والمقصود هنا خصومه من الزعماء، وتراجع مصداقية امبراطورياتهم الاعلامية الجبارة، بدأ يكسب الحرب الاعلامية تدريجيا، نكررها مرة اخرى، مثلما قلص خسائره في ميادين القتال، في الوقت الراهن على الاقل، وبات اقرب الى امريكا والمعسكر الغربي ومخططاته في الملف السوري من الحلفاء المخلصين مثل تركيا والسعودية وقطر، وينعكس هذا بوضوح في تدهور العلاقات الامريكية مع الدولتين الاخيرتين لمصلحة التقارب مع ايران، ومع السعودية على وجه الخصوص، وهذا ما يجعله يشعر بالاطئمنان اكثر من اي وقت آخر، ونقطة التحول الرئيسية في هذا المضمار تتمثل في الحرب المشتركة بين الجانبين ضد الجماعات الجهادية المقاتلة والنصرة واحرار الشام والدولة الاسلامية بشكل خاص.
الامر شبه المؤكد ان المعادلات تتغير بسرعة على الارض السورية بينما الرئيس الاسد لم يتغير، بل ازداد تمسكا بحلوله الامنية، وكأن الحرب الدموية لم تقع، وكأن مئتي الف انسان سوري لم يقتلوا، واربعة ملايين قد تشردوا.
عمر الازمة السورية سيطول للاسف وسيسقط المزيد من الضحايا بمعدلات اكبر ربما، ومن الصعب تصور اي حلول سياسية او عسكرية قريبة.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال